تتجه أنظار الديمقراطيين إلى حسم مرشحهم الرئاسي المفترض جو بايدن لخيار منصب نائبة الرئيس المحتمل، بحلول نهاية شهر يوليو/تموز الحالي، لرسم ملامح المواجهة مع الرئيس دونالد ترامب في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وفيما يتم حالياً غربلة الأسماء وتضييق قائمة الخيارات، تزداد الضغوط من مجموعات ليبرالية للتأثير على هذا القرار المحوري، الذي قد يؤثر بدوره على دينامية السباق الرئاسي، ويترك بصمات على مستقبل الحزب الديمقراطي. منذ استحداث هذا المنصب دستورياً في العام 1787، كان قرار اختيار نائب الرئيس يعود إلى المؤتمر القومي للحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، الذي ينعقد قبيل الانتخابات الرئاسية، لكن هذا التقليد تغير منذ العام 1940 مع الرئيس فرانكلين روزفلت (أعلن هوية نائبه خلال المؤتمر)، باستثناء العام 1956 حين ترك المرشح الرئاسي أدلاي ستيفنسون هذا القرار لمؤتمر الحزب الديمقراطي. مع مرور الوقت، ازدادت أهمية هذا المنصب في السياسة الأميركية، وأصبح القرار حوله يعود إلى المرشح الرئاسي أو المرشحة الرئاسية بالتشاور مع قيادات الحزب ومراكز القوى فيه.
قد يبحث بايدن عن كيمياء مشابهة لعلاقته بأوباما، أي يختار المرشحة التي يكون أكثر تناغماً معها
عادة يختار المرشح الرئاسي لمنصب نائب الرئيس شخصية تساعد على تحقيق التوازن الأيديولوجي أو الجغرافي في تذكرة الرئاسة، أي ملء الفراغ الضروري للوصول إلى أوسع قاعدة شعبية ممكنة في الانتخابات، ما يؤدي أحياناً إلى صراعات داخل الإدارة في حال فاز المرشح الرئاسي بالانتخابات. هناك أيضاً معايير بارزة أخرى، مثل الميزات الشخصية أو مدى الشهرة على المستوى الوطني، أو لضمان وحدة الحزب عشية الانتخابات الرئاسية. على سبيل المثال، اختار ترامب نائبه مايك بنس لأن شخصية الأخير لا تطغى على الرئيس، ولأنه همزة الوصل مع القاعدة الإنجيلية، فيما اختار باراك أوباما بايدن ليكون نائبه، لأنه يسد فراغ الخبرة الذي كان ينقصه، ولأنه يساعده مع الناخبين البيض في الأرياف، لا سيما العمّال منهم. ولأن علاقته مع أوباما كانت قوية وودية، قد يبحث بايدن أيضاً عن كيمياء مشابهة، أي يختار المرشحة التي يكون أكثر تناغماً معها.
حسم بايدن أمره منذ الانتخابات التمهيدية بأنه سيختار امرأة لهذا المنصب، لا سيما أن النساء يشكلن 60 في المائة من ناخبي الحزب الديمقراطي، وبالتالي ستكون السيدة التي سيختارها ثالث نائبة للرئيس، بعد جيرالدين فيرارو التي اختارها المرشح الديمقراطي والتر ماندال قبل خسارته انتخابات الرئاسة في العام 1984، وسارة بايلين التي اختارها المرشح الرئاسي الجمهوري الراحل جون ماكين قبل خسارته في العام 2008. بورصة الترشيحات لنائبة بايدن مستمرة، ولا تزال في طليعة الأسماء مرشحتان سابقتان للرئاسة من مجلس الشيوخ، هما السيناتورتان كامالا هاريس وإليزابيث وارين.
هناك دعوات متزايدة لاختيار امرأة سوداء في ضوء الاحتجاجات الشعبية المنددة بعدم المساواة العرقية واستخدام الشرطة للعنف المفرط ضد السود، وأيضاً لأن بايدن يدين للناخبين الأفارقة الأميركيين في كارولاينا الجنوبية بفوزه بالانتخابات التمهيدية بعدما أنقذوا حملته المتعثرة في انتخابات ولايتهم في شهر فبراير/شباط الماضي. اختيار امرأة سوداء يجمع الكتلتين الناخبتين الكبريين في الحزب الديمقراطي، وبالتالي الرهان هو أن يؤدي هذا الأمر إلى رفع نسبة الإقبال يوم الاقتراع في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. يضغط هذا المعسكر لاختيار من لائحة أسماء تشمل إضافة إلى هاريس، كل من النائبة فال ديمينغ ومستشارة الأمن القومي السابقة سوزان رايس وعمدة مدينة أتلانتا كيشا لانس بوتومز، وكذلك ستايسي أبرامز التي كانت أول مرشحة أميركية سوداء لمنصب الحاكمية، لكنها خسرت هذه الانتخابات في ولاية جورجيا في العام 2018.
هاريس هي الخيار الأكثر أماناً لبايدن، لأنه تم التدقيق بسجلها والتفتيش عما إذا كان هناك أي شيء في ماضيها مثير للجدل، ومسار التدقيق هذا يخضع له كل مرشح أو مرشحة لهذا المنصب تفادياً لأي مفاجآت غير متوقعة في الحملة الانتخابية. مسيرة هاريس كمدعية عامة سابقة تساعدها لتواجه الرئيس الحالي بفعالية، لكن قد تستغل حملة ترامب كيف تهجّمت هاريس على نقاط ضعف بايدن في المناظرات الرئاسية. هاريس قادرة على أن تكون فعّالة في قضايا إصلاح الشرطة، كما تطمئن القيادة التقليدية والتيار الوسطي، لا سيما أن بايدن يسعى لاجتذاب المزيد من الأصوات الجمهورية المعتدلة التي لا ترغب بالتصويت لترامب. وتمثل هاريس ولاية كاليفورنيا الديمقراطية في مجلس الشيوخ، وبالتالي ليس لديها إضافة نوعية لمساعدة بايدن في الخريطة الانتخابية.
تزداد الدعوات لاختيار أميركية سوداء نائبة لبايدن في ضوء الاحتجاجات المنددة بعدم المساواة العرقية
المرشحة البارزة الثانية هي النائبة فال ديمينغ التي كانت سابقاً عاملة اجتماعية ورئيسة شرطة أورلاندو، وبالتالي لديها خبرة ميدانية في القضايا الأميركية الأكثر إلحاحاً مثل العنصرية المتجذرة وإصلاح الشرطة. على الرغم من خبرتها القصيرة في الكونغرس، وأن اسمها ليس معروفاً على الصعيد الوطني، لكن ديمينغ تمثل مدينة أورلاندو، وبالتالي تساعد بايدن على الفوز في ولاية فلوريدا المحورية، ولديها شخصية تحاكي أسلوب باراك أوباما من ناحية التركيز على وحدة الأميركيين في خطابها. من جهتها، تمنح سوزان رايس خبرة إضافية في قضايا الأمن القومي وفي قيادة أميركا في زمن وباء كورونا، وعلى الرغم من أنها عملت مع أوباما، فإن أسلوب رايس قد يكون هجومياً في الحملة الانتخابية كما يظهر في المقابلات التلفزيونية التي تجريها، لكنها ليست قيمة مضافة من ناحية تعديل الخريطة الانتخابية، وقد يكون لها دور رئيسي داخل إدارة بايدن في حال فوزه.
المعسكر الآخر الرئيسي الذي يضغط على بايدن تمثله المجموعات التقدمية التي ترى في إليزابيث وارن ضمانة لوجود الأجندة اليسارية في الحكم. ووارن قادرة على الدفاع عن بايدن عند الضرورة، والهجوم على خصومه كما فعلت مع عمدة مدينة نيويورك الأسبق مايكل بلومبيرغ عند دخوله السباق الرئاسي. اختيار وارن يعني أن أولوية بايدن ستكون للإصلاح الاقتصادي نظراً لخبرتها في هذا المجال وسياساتها التقدمية، وهي تساعد بايدن على نيل أصوات جيل الشباب من الليبراليين حيث شعبية المرشح الرئاسي الديمقراطي ضعيفة حالياً. لكن أربع إشكاليات تواجه خيار وارن: أولاً هي لا تأتي من ولاية محورية، بل هي تمثل ماساشوستس المضمونة للديمقراطيين، وثانياً المعروف عن وارن استقلاليتها في القرار وكيف فرضت نفسها سابقاً على إدارة أوباما، وفريق بايدن قد يكون قلقاً من نزاعات داخل الفريق الرئاسي، ثالثاً سياساتها التقدمية قد تقلق الأصوات المعتدلة والمتمولين الكبار في الحزب الديمقراطي. أما رابعاً فإن العلاقة المعقدة التي تربط وارن بالمرشح اليساري السابق السيناتور بيرني ساندرز ستحدد خيار بايدن الذي يريد إرضاء حليفه اليساري لاجتذاب قاعدته، وبالتالي رأي ساندرز باختيار وارن قد يكون حاسماً سلباً أم إيجاباً.
هناك أسماء أخرى على لائحة بايدن لهذا المنصب، مثل السيناتورة عن إيلينوي تامي داكوورث وحاكمة ولاية ميشيغن غريتشان وايتمر وحاكمة ولاية رود أايلاند جينا رايموندو، لكن المزاج الديمقراطي يبدو حائراً بين هاريس ووارن. أشار استطلاع مشترك بين "ياهو" و"يو غوف" إلى أن 30 في المائة من الناخبين المسجلين يفضلون وارن مقابل 24 في المائة يفضلون هاريس، فيما ذكر استطلاع مشترك لصحيفة "يو أس آي توداي" و"سوفولك" أن الحماسة الانتخابية كانت 36 في المائة لهاريس و28 في المائة لأبرامز و27 في المائة لوارن. لكن في الاستطلاع نفسه، اعتبر 72 في المائة من الديمقراطيين أنه من المهم لبايدن أن يختار امرأة سوداء لمنصب نائبة الرئيس.
في نهاية المطاف، عند قسم اليمين في يناير/كانون الثاني المقبل في حال فوزه، سيكون بايدن قد بلغ 78 عاماً، وبالتالي هناك إدراك في الحزب الديمقراطي لأهمية اختيار نائبة الرئيس لأنها قد تكون بديلة عن بايدن في حال لم يترشح لولاية ثانية أو إذا تعرض لعارض صحي، وبالتالي يجب أن تكون هذه السيدة جاهزة ولديها ما يكفي من الخبرة لتحكم البلاد في حال حصول طارئ. اختيار نائبة الرئيس ليس فقط مصلحة انتخابية لبايدن، بل قرار قد يرسم إلى حدٍّ كبير مستقبل الحزب الديمقراطي.