18 فبراير 2020
خيارات "قسد" الصعبة
ضاقت خيارات قوات سورية الديمقراطية (قسد) بعد الانسحاب الأميركي الجزئي من شمال شرق سورية، وهو انسحاب عدّه السوريون الكرد طعنة في الظهر من حليفٍ كان يتحدث عن شراكة طويلة، ونجاحات مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فضلاً عن أن هذا الانسحاب كان بمثابة ضوء أخضر لتركيا لإطلاق عملية نبع السلام العسكرية التي تجمّدت حالياً، بفعل التفاهم الروسي – التركي في سوتشي، ومن قبل الاتفاق الأميركي – التركي.
فقدان الكرد الثقة بالإدارة الأميركية لم يفقد "قسد" الأمل بدفع هذه الإدارة إلى إعادة النظر في سياستها تجاه الكرد، إذ واضح أن ثمّة رهاناً كردياً على الكونغرس ووزارتي الدفاع والخارجية في دفع الرئيس ترامب إلى مراجعة خطواته. ولعل حديث السيناتور ليندسي غراهام عن إعداد الكونغرس استراتيجية جديدة تجاه الأزمة السورية، واتصال ترامب بقائد قوات "قسد"، مظلوم عبدي، ودعوة الأخير إلى زيارة واشنطن، عزّزت من هذا الأمل، خصوصاً أن ترامب تراجع مراراً عن قراراته السابقة، تحت ضغط ما تسمّى مؤسسات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، فضلاً عن سياساته المتقلبة.
بغض النظر عمّا إذا كانت الإدارة الأميركية ستعيد النظر في سياساتها تجاه شرقي الفرات في سورية أم لا، أدّت التطورات المتسارعة في شمال شرق سورية، والتفاهمات الجارية بين تركيا وكل من روسيا والولايات المتحدة، إلى رسم خريطة جديدة لانتشار "قسد" في شرقي الفرات،
وإلى انحسار نفوذها في مناطق عديدة لصالح النظام وروسيا، حيث بدت روسيا اللاعب الأكثر استفادة من جميع هذه التطورات، فالقوات الروسية بدأت تحلّ تدريجياً محل القوات الأميركية المنسحبة، وباتت تُمسك بمعظم خيوط اللعبة، فمن جهةٍ باتت تسعى إلى ترتيب العلاقة بين دمشق وأنقرة على أساس صيغةٍ معدّلة لاتفاق أضنة الموقع بين الجانبين في 1998، ومن جهة ثانية محاولة التوصل إلى تفاهم بين الكرد والنظام السوري، يعيد سيطرة النظام على المناطق الواقعة خارج سيطرته في شرقي الفرات، كما جرى في منبج وعين العرب (كوباني) وتل تمر، بعد التفاهم العسكري الذي جرى بين النظام و"قسد" برعاية روسية، ومع أن "قسد" متحمسة لهذا التعاون من أولوية مواجهة العملية العسكرية التركية، إلا أنها تخشى، في العمق، من أن لا يؤدي هذا المسار إلى أي اعتراف سياسي بها، وبالإدارة الذاتية التي تمثلها، فالنظام، وبدعم روسي، يشترط على "قسد" التسليم الكامل للنفوذ والسلاح، ورفض أي حديثٍ عن تقاسمٍ للسلطة في تلك المنطقة، وهذا أمرٌ يحظى بموافقة الجانب التركي الذي طالب مراتٍ بإخراج "قسد" من تلك المنطقة، وإبعاد عناصرها منها، وهو ما يعني إخراج "قسد" من الخريطة السياسية المقبلة. ولعل هذا ما يفسّر إعلان عبدي رفض "قسد" بنود التفاهم الروسي – التركي، باستثناء بند وقف إطلاق النار.
أمام هذا الواقع الصعب، وتداخل المصالح الدولية والإقليمية، تبدو خيارات "قسد" صعبة، فخيار المواجهة مع تركيا إذا استأنفت الأخيرة عمليتها العسكرية التركية خاسر مسبقاً، في غياب الحماية الأميركية من سلاح الطيران، كما أن خيار الذهاب إلى النظام، من دون اعتراف الأخير بالحقوق السياسية للكرد، سيكون بمثابة نهاية للتطلعات السياسية. وخيار القبول بالتفاهم الروسي - التركي كما هو سيشكل مدخلاً لإخراج "قسد" تدريجياً من الواقع الذي بنته. وعليه، تبدو "قسد" أمام امتحانٍ في كيفية التعامل مع هذه الخيارات، ويبدو أنها باتت تعتمد إدارة الأزمة بالمناورة، تارة بالتفاوض مع الروس، على أمل تغيير بعض بنود التفاهم الروسي التركي، وأخرى بالرهان على تغيير الإدارة الأميركية سياستها، على أمل أن يؤدّي ذلك كله إلى شكل من الاعتراف بها، والحفاظ على بعض المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية.
بغض النظر عمّا إذا كانت الإدارة الأميركية ستعيد النظر في سياساتها تجاه شرقي الفرات في سورية أم لا، أدّت التطورات المتسارعة في شمال شرق سورية، والتفاهمات الجارية بين تركيا وكل من روسيا والولايات المتحدة، إلى رسم خريطة جديدة لانتشار "قسد" في شرقي الفرات،
أمام هذا الواقع الصعب، وتداخل المصالح الدولية والإقليمية، تبدو خيارات "قسد" صعبة، فخيار المواجهة مع تركيا إذا استأنفت الأخيرة عمليتها العسكرية التركية خاسر مسبقاً، في غياب الحماية الأميركية من سلاح الطيران، كما أن خيار الذهاب إلى النظام، من دون اعتراف الأخير بالحقوق السياسية للكرد، سيكون بمثابة نهاية للتطلعات السياسية. وخيار القبول بالتفاهم الروسي - التركي كما هو سيشكل مدخلاً لإخراج "قسد" تدريجياً من الواقع الذي بنته. وعليه، تبدو "قسد" أمام امتحانٍ في كيفية التعامل مع هذه الخيارات، ويبدو أنها باتت تعتمد إدارة الأزمة بالمناورة، تارة بالتفاوض مع الروس، على أمل تغيير بعض بنود التفاهم الروسي التركي، وأخرى بالرهان على تغيير الإدارة الأميركية سياستها، على أمل أن يؤدّي ذلك كله إلى شكل من الاعتراف بها، والحفاظ على بعض المكاسب التي تحققت خلال السنوات الماضية.