خوف من "سنة بيضاء" في الجزائر

13 فبراير 2018
لقطة قبل الإضراب (أحمد كمال)
+ الخط -

تشهد الجزائر اليوم كباشاً بين الحكومة والنقابات المستقلة في قطاع التربية والتعليم، وقد راحت الإضرابات تشلّ المؤسسات التعليمية بعد فشل جولات الحوار بين الطرفَين. بالتزامن، بدأ القلق يبرز وسط الرأي العام وبين أولياء التلاميذ وكذلك التلاميذ أنفسهم.

وقد وقعت الحكومة الجزائرية في مأزق بعد صمود المجلس الوطني المستقل للتعليم - كبرى النقابات في قطاع التربية والتعليم في الجزائر - في إضرابه، في حين من المقرّر تنفيذ إضراب آخر لتكتل يضمّ سبع نقابات مستقلة في 20 و21 فبراير/ شباط الجاري. يأتي ذلك مع رفض أيّ مناورة حكومية أو ضغوط سياسية وقضائية تدفع في اتجاه وقف الإضراب قبل تحقيق المطالب. وتلك المطالب تتعلق بمراجعة القانون الأساسي للمعلمين والأساتذة وحرية حركة الموظفين في التنقل، في حين يطالب تكتل النقابات المستقلة - ينفّذ إضرابه بعد أسبوع - بمراجعة قانون العمل وإقرار التعليم كمهنة شاقة بما يتيح للأساتذة والمعلمين الاستفادة من امتياز التقاعد المبكر.

ودفع الصمود النقابي الحكومة إلى محاولة كسر الإضراب بكل الطرق، وقد قضت المحكمة الإدارية في البداية بعدم شرعية الإضراب. لكنّ النقابات رفضت الاستجابة للقرار القضائي، فراحت الحكومة تعتمد على وسائل إعلام موالية للحكومة بهدف التقليل من تأثير الإضراب وتأليب الرأي العام على النقابات المستقلة. ثمّ دفعت الحكومة جمعيات أولياء التلاميذ إلى مطالبة المعلمين بتغليب مصلحة المتمدرسين، وهدّدت بفصل المعلمين المضربين واستبدالهم بآخرين، وأعلنت وضع خطة لاستدراك الدروس التي ضاعت على التلاميذ على مدى أسبوعَين بسبب الإضراب، قبل أن تحاول دفع نقابات موالية لها إلى التكتل ضدّ النقابات المستقلة لكسر الإضراب.


ويوم أول من أمس، الأحد، اعترضت خمس نقابات تعمل في قطاع التربية وتوالي الحكومة على الإضراب المستمر الذي تنفّذه نقابة المجلس الوطني المستقل للتعليم منذ أسبوعين، وكذلك على إعلان تكتل النقابات المستقلة الدخول في إضراب شامل لمدّة يومَين. والنقابات الخمس التي رفضت استمرار الإضراب الحالي هي الاتحادية الوطنية لعمال التربية، والاتحادية الوطنية لقطاع التربية، والنقابة الوطنية لعمال التربية، والنقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين، والنقابة الوطنية لأساتذة التعليم الابتدائي. وقد جاء في بيانها المشترك أنّ "الإضراب المفتوح الذي تشنّه (تنظمه) نقابة المجلس المستقل لعمال التربية غير شرعي ويشوّه العمل النقابي ويضرّ كثيراً بمصلحة التلاميذ الذين باتوا مهدّدين بالسنة البيضاء". تجدر الإشارة إلى أنّ السنة البيضاء هي سنة دراسية استثنائية لا تستكمل خلالها المقررات الدراسية المحدّدة لموسم دراسي.

في السياق، وجّه الأمين العام للاتحادية الوطنية لعمال التربية، فرحات شابخ، في مؤتمر صحافي عقده عقب لقاء مع وزير العمل والتشغيل، نداءً إلى جميع الأساتذة وأولياء التلاميذ دعاهم فيه إلى "التفكير في مستقبل التلاميذ ووضع مصلحتهم فوق كلّ اعتبار". أضاف أنّ "ثمّة طرقاً عدّة للمطالبة بالحقوق كالحوار، ونحن نخشى من أنّ تأخذ الأمور منحى آخر لا سيّما بعد النداءات الموجّهة إلى التلاميذ عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التجمهر والخروج إلى الشارع. وكأنّ الأمور مدبّرة من قبل أطراف أخرى، وهو ما يشكّل خطراً على السلم الاجتماعي وعلى التنظيم النقابي". وقد اتهم شابخ المعلمين المضربين باستغلال الإضراب لتقديم دروس خصوصية للتلاميذ مقابل بدل مالي.

من جهتها، دعت الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ - مقرّبة من الحكومة - النقابات المستقلة التي تنفّذ الإضراب منذ أسبوعَين وتلك التي تعتزم الدخول في إضراب الأسبوع المقبل، إلى الامتثال لقرار العدالة (القضاء) ووقف الإضراب، بعدما قرّرت المحكمة الادارية عدم شرعية ذلك الإضراب، حفاظاً على مصلحة التلميذ وعلى حقه الدستوري في التمدرس، ومراعاة للظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد. وقال أمين عام المنظمة خالد أحمد خالد إنّه متخوّف من تفاقم الأمور في المؤسسات التربوية إلى حدّ إعلان "سنة بيضاء" أو وقوع تمرّد من قبل التلاميذ، مشيراً إلى وجود أطراف تدفع إلى ذلك. وكشف أنّه سوف يسعى إلى الوساطة بين النقابات المضربة ووزارة التربية لحلّ الأزمة.


لكنّ منظمة ثانية لأولياء التلاميذ - مستقلة - عبّرت عن قلق هؤلاء وقلق العائلات على مصير أبنائهم التلاميذ، وهاجمت وزيرة التربية نورية بن غبريط وحمّلتها مسؤولية تردّي الأوضاع، واتهمتها في رسالة وجهّتها إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بغلق باب الحوار وتجاهل مطالب النقابات. ودعت كذلك بوتفليقة إلى التدخل لحلّ الأزمة، وقد رأت أنّ ما وصلت اليه الأوضاع المتردية في قطاع التربية هو نتيجة فوضى البرامج وفشل الإصلاحات، والانتقائية في التعاطي مع النقابات التمثيلية في القطاع، ومحاولة وزارة التربية الالتفاف على مطالب المعلمين.

إلى ذلك، فإنّ تصاعد الإضراب وتفاقم تأثيراته الاجتماعية وتزايد المخاوف من جرّاء استمراره، دفع وزراء في الحكومة على علاقة بقضايا العمل إلى نجدة بن غبريط. وقد وجه وزير العمل والتشغيل مراد مزالي تحذيرات إلى النقابات التي دعت إلى الإضراب، مشيراً إلى أنّها تجاوزت الخطوط الحمر نتيجة تماديها في الإضرابات. وقال وزير العمل في تصريح صحافي عقب استقباله قيادات من النقابات الأربع الموالية للحكومة، إنّه "مثلما الإضراب حق دستوري والعمل النقابي حق أيضاً، فإنّ التعليم وحق التلاميذ في الدراسة حقّ دستوري أيضاً". ودعا المنظمات النقابية إلى "التحلي بالمسؤولية والنضج في ممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب، في إطار الامتثال للقانون وللإجراءات والتدابير القانونية في المجال".

ورداً على التدخلات الحكومية في النشاط النقابي، تعتزم منظمات عمالية في الجزائر استدعاء لجنة تحقيق من هيئة العمل الدولية لكشف ما تعدّه تضييق السلطة والحكومة على الحريات النقابية، في حين عمدت الحكومة إلى تكذيب مزاعم وجود تضييق على العمل النقابي والحريات النقابية. إلى ذلك، ذكر تقرير نشرته وزارة العمل الجزائرية الأحد الماضي، أنّ الدستور والقوانين الجزائرية "تكرّس حرية تأسيس الجمعيات والحق النقابي والحق في الإضراب والحق في المشاركة"، مؤكداً أنّ وجود 13 منظمة نقابية في قطاع التربية الوطنية و14 في قطاع الصحة دليل على الحريات النقابية في البلاد.


وبين تمسّك النقابات بمطالبها وتشدّد الحكومة في مواقفها، بدأ التلاميذ في الجزائر يعبّرون عن قلقهم من استمرار هذا الوضع، إذ نظّم التلاميذ في العاصمة الجزائرية وفي بجاية وتيزي وزو، شرقيّ الجزائر، وقفات احتجاجية للمطالبة بإنهاء الأزمة الراهنة، خصوصاً مع اقتراب موعد الامتحانات الحاسمة بالنسبة إلى تلاميذ الأقسام النهائية المقبلين على امتحانات شهادة البكالوريا وكذلك تلاميذ الفصول التاسعة المقبلين على امتحانات الانتقال إلى القسم الثانوي. تجدر الإشارة إلى أنّه لا تمرّ سنة دراسية في الجزائر من دون إضراب أو حراك احتجاجي بسبب المطالب المهنية والاجتماعية للمعلمين والأساتذة. وقد زاد فشل الإصلاحات التربوية وفوضى المناهج ومشكلات الكتب المدرسية وضعف النتائج وتراجع مستوى التحصيل العلمي ومعدلات العنف المدرسي، من تفاقم مشكلات المدرسة الجزائرية وتردّي أوضاعها إلى حدّ باتت الحكومة عاجزة عن مواجهة الأزمة.