خليل مطران.. طيفٌ من التجديد

01 يوليو 2019
(بورتريه لـ خليل مطران)
+ الخط -
احتفظ الشاعر اللبناني خليل مطران (1872 – 1949) الذي تصادف ذكرى ميلاده اليوم الإثنين، بمكانة رمزية لمثقف هرب من ملاحقة السلطات العثمانية إلى باريس، ثم إلى مصر ليستقر بها وينخرط في أعمال حكومية ترتبط بتطوير الزراعة التي تخصّص بها، وبالصحافة والمسرح والشأن العام.

يشير كثيرون إلى أن "شاعر القُطرين" جمع بين مصريته ولبنانينه، لكنه لم يقرأه اللبنانيون كشاعر لبناني نظراً إلى مصريته الطاغية، ولم يكن شاعراً مصرياً لدى المصريين حتى وهم يرون انشغاله الوحيد بالهم المصري وانخراطه بكلّ شؤون البلد الذي رحل فيه مصاباً بداء النقرس، فقد كان بالنسبة إليهم شاعراً متمصرناً حتى أن كثيرين أطلقوا عليه "شاعر الأقطار العربية" بعد رحيل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وبذلك تساوت مصريته مع عروبته.

منذ نهايات القرن التاسع عشر، برزت العديد من نزعات إحياء وبعث عمود الشعر العربي التي استطاع روّادها التعبير عن أزمة القصيدة كلّ على طريقته، والسعي كذلك إلى تجديدها ضمن اتجاهات ورؤى مختلفة، لكن يُحسب لهم جميعاً استعادة ديوان العرب بعد أن شهد موجات من التدهور منذ العصر المملوكي.

ظلّ مطران محافظاً على الشكل وأوزان الخليل والقافية مثل معظم مجايليه من الشعراء، لكنه تأثر بالرومانسية الغربية - نتيجة تعلّمه الفرنسية والإسبانية - فنقل حساسيتها إلى شعره، كما تأثر ببعض موضوعاتها وأساليبها، مع حضور مهيمن لمنظوره الخاص للقصيدة باعتبارها رؤية فنية للحياة.

يعتقد دارسون أن صاحب "ديوان الخليل" تجاوز السائد الشعري في عصره عبر التركيز على غاية أساسية تمثّلت بتحويل القصيدة متعدّدة المواضيع والأفكار والأحداث التي سيطرت على تاريخ الشعر العربي لقرون، إلى قصيدة تسود فيها وحدة المعنى.

في قصيدة "مسرحية" يكتب مطران: رأيتُهُ ورآني/ فأُولِعَ القلبانِ/ كأنَّ سحرًا عراهُ/ كأنَّ سحرًا عرانِي/ أجابَ لحظي لمَّا/ باللحظِ منهُ دَعاني/ وكادَ يكبُو فُؤادي/ من شدَّة الخَفَقَانِ/ وذُقتُ ما لمْ أذقْهُ/ من لذَّةِ النيرانِ.

يمكن القول إن هذه ملامح مشروعه التجديدي، كما تجدر الإشارة إلى أن لخلفيته الثقافية والفكرية دور كبير في فهمه للشعر والأدب عموماً، كما ظهر في "المجلة المصرية"، المطبوعة نصف الشهرية التي أصدرها عام 1900، حيث اهتم بقضايا الثقافة والتعليم والسياسة، وعملت على نقل آراء المفكرين والعلماء في شتى مجالات المعرفة.

يفترق مطران عن شوقي وحافظ، في كون الشعر لديه لم يكن مرتبطاً بمناسبات المديح والرثاء والحوادث السياسية والاجتماعية كما عبّرا عنهما في معظم ما كتباه، بل قد يرى البعض أن ما كتبه مطران في الشعر المناسباتي كان الأقل جودة، حيث برع في الذهاب بالوصف إلى مساحات تأملية وفلسفية، واستطاع التخفّف من التشبيهات والاستعارات الجامدة، وأعطى مساحة أكبر للصورة.

يدوّن الشاعر في قصديته "المساء": عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ/ فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ/ مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد/ بِكَآبَتِي مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي.

المساهمون