خلطة التدليس لن تنفع
في الكيمياء والفيزياء، لا تتوقّع نتائج مختلفة إذا كنت تكرر التجربة نفسها بالمدخلات والمعطيات والظروف نفسها، فانتظار نتائج جديدة من التجربة نفسها ليس فقط مضيعة للوقت والجهد، بل يعتبر أحد أشكال الحماقة.
هل تتذكر فترة ما قبل 25 يناير 2011، هل تتذكر فترة حكم حسني مبارك، وطريقة حكم مبارك، ومكونات حكم مبارك، وانحيازات حكم مبارك طوال 30 عاماً؟ هل تتذكر أسباب الغضب الشعبي الذي تراكم إلى أن انفجرت في 25 يناير 2011؟
تعالوا نتذكر سويّاً، فالذكرى تنفع المؤمنين والعاقلين، ومن يرغب في النجاح وتجنب الفشل. لن أتحدث، هذه المرة، عن الاستبداد السياسي والقمع والديكتاتورية وإغلاق الصحف وحبس المعارضين والتعذيب للمصريين في أقسام الشرطة والسجون. لن أتحدث عن الفشل الإداري والعشوائية في اتخاذ القرارات التي ميّزت عهد مبارك. ولكن، بما أن الجميع، هذه الأيام، يتحدث عن المؤتمر الاقتصادي بين التهوين والتهويل، فدعونا نتذكر قليلاً أهم ما ميّز فترة مبارك من الناحية الاقتصادية. دعونا نتحدث عن المحسوبية، مثلاً، فقد كان عهد مبارك يتميّز بالمحسوبية والفساد، وكانت معظم الأنشطة الاقتصادية الكبرى مقتصرة على بعض الأسماء والعائلات، وكان هناك استيلاء واضح على أصول الدولة، ونسب عمولات ضخمة على المعاملات التجارية والاستثمار والخصخصة. الفساد والمحسوبية والاحتكار من أهم ما كان يميّز حكم مبارك، وللأسف، المحسوبية نفسها موجودة الآن بالأسماء نفسها تقريباً.
كان نظام مبارك يتحدث كثيراً عن أرقام استثمار ضخمة، تأكدنا بعدها أنها كانت معتمدة على المبالغة وخلط الأوراق، وكذلك كان إعلامه يتعمّد الخلط بين النمو والتنمية. فصحيح أنه في عهد مبارك كان هناك نمو اقتصادي، مشهود به من جميع المؤسسات الاقتصادية الدولية، ولكن، هناك فارق كبير بين النمو والتنمية. فقد كان هناك نمو، مردوده في يد القلة المحتكِرة والمسيطرة على الاقتصاد المصري. كان هناك نمو، ولكن يأكله المحاسيب فقط، ولا يحس به الشعب المصري. كان هناك نمو، ولكن، لم تكن هناك تنمية اقتصادية واجتماعية. كان هناك نمو يصب في صالح قلة، لكن أغلبية الشعب كانت تعاني وتصبر.
اعتمد جمال مبارك وفريقه على سياسات الليبرالية الجديدة، وهي التي تشجع الخصخصة، وبيع أصول الدولة وسياسات التقشف وخفض الإنفاق العام وتقليل دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، وتقديم الإعفاءات الضريبية للمستثمرين، كنوع من أنواع التشجيع. وكان جمال مبارك وفريقه يخفضون الضرائب عن الأغنياء، بحجة جذب الاستثمارات، وفي الوقت نفسه، يقللون الدعم ويضاعفون الضرائب على الفقراء، بحجة تنمية موارد الدولة، في حين أن الدولة الرأسمالية نفسها كانت تفعل العكس. ففي أوروبا، بل وأميركا نفسها، ستجد أن الضريبة تصاعدية، تزداد كلما زاد الدخل، لكي يتم توفير ميزانية لدعم الخدمات والتعليم والصحة والطرق، أما في مصر، بلد الفقراء، فكان جمال مبارك يدعم الأغنياء، ويزيد معاناة الفقراء.
سياسات جمال مبارك هي التي أدت لقيام الثورة. ولكن ماذا عن عبد الفتاح السيسي؟ لا يختلف السيسي كثيراً، بل هو الأسوأ، فعصابة التشريع في عهد مبارك نفسها من تقوم بالتشريع الآن. الدعم يقل وسيختفي قريباً، ودور الدولة الاقتصادي والاجتماعي يقل يوماً عن يوم. المعاناة تزيد على الفقراء، والتسهيلات تقدم لرجال الأعمال والأغنياء، والضرائب يتم تخفيضها لرجال الأعمال وتزيد على الفقراء.
الفساد والمحسوبية لم تتغيّرا عن عهد مبارك، بل ربما زادت، القوانين يتم تفصيلها بالثغرات والعبارات المطاطية نفسها التي تستخدم عند الحاجة، للتنكيل بالمغضوب عليهم، ولتبرئة المرضى منهم. الوجوه القديمة نفسها تعود، السياسات الفاشلة نفسها تعود، أساليب التسوّل من الخارج نفسها بدون أي رغبة في تنمية حقيقية، خصخصة بدون ضوابط، عشوائية ربما أكثر وأكثر فداحة ممّا كان في عهد مبارك، قمع وظلم يزداد كل يوم.
المكونات الفاسدة نفسها التي أدت إلى قيام ثورة 25 يناير ضد مبارك ونظامه. فلماذا يتوقع السيسي ومؤيدوه أن ينجح، هل يتخيّل أن مفعول الكذب والتدليس والخطب والحماسة الجوفاء سيستمر طويلاً؟... كان نفع اللي قبله.