خلافة أبو مازن أهم

09 اغسطس 2015
+ الخط -
لا تفلح أكثر الأحداث ألما ومأساوية في حرف النقاش الدائر على مستوى السلطة الفلسطينية، وما حولها، عن قضية خلافة الرئيس محمود عباس. يبدو هذا السجال أهم حين يأخذ مساحة أكبر وأوسع من جرائم الاحتلال المستمرة، وجديدها هجمات المستوطنين المتصاعدة، حرقا وتقتيلاً، وإعدامات جيش الاحتلال فلسطينيين على الطرق لمجرد الشبهة بهم، والاستفراد المستمر بالأسرى. تغيب أسماء الشهداء أمام أسماء الورثة القادمين وترجيحات الصحافة والفصائل وأصحاب الرأي، وصراعات "السوشال ميديا". 
وفي صلب هذا السجال، تتكشف، منذ أيام، ملفات مالية وقضايا بشبه فساد تشغل الشارع الفلسطيني، لا أحد يدري كيف تتسرب، إلا أن الجبهة المسربة، أو ملتقطي التسريب، يسارعون إلى استثماره في الصراع على الملف الساخن هذه الأيام، ملف الرئاسة. والواضح أن هذا الجدل سيغدو أشدّ صخبا في الفترة المقبلة، مع تكاثر صفحات "السوشال ميديا" الممولة والمشغولة بهذا النقاش، وتزايد المواقع الإخبارية المحلية التي تطرح على الفلسطينيين، كل يوم، سؤالا مكرورا متجددا عن المرشح الأوفر حظا لخلافة أبو مازن. وهذه لعبة قديمة مبتذلة لتمرير أسماء وتكريسها من خلال اللغط المستمر حولها.
واللافت، أيضاً، وعلى سيرة "السوشال ميديا"، حجم الصفحات "التلميعية" التي تظهر، أخيراً، لقيادات من السلطة والأجهزة الأمنية وفتح، بعضهم قيادات من صف ثان وثالث، على شاكلة "أصدقاء فلان، ومحبي علان"، وغالبيتها تنتهج خطابا متشابها، له ملامح تكشف ذهنية القائمين عليها، وفهمهم القضية الفلسطينية، وأين وصلت اليوم.
التمعن في خطابات هذه الصفحات والوسائل الإعلامية المختلفة، يكشف تغييبها الكامل الاحتلال والمواجهة معه من السجال، اللهم إلا كظاهرة طبيعية، لا تنفع معها إلا حملات الإغاثة والتضامن. ولذلك، الموضوع المفضل لتلك الصفحات ووسائل الإعلام هو الفساد، فساد الرئيس وأولاده والمقربين منه. فضلا عن الانتقائية العجيبة في طرح أشخاص وملفات بعينها في هذا السياق، والتغافل عن فساد الحلفاء والمقربين، حتى داخل سلطة أبو مازن، يبدو السجال في مجمله، وكأنه في دولة عالمثالثية، أنجزت استقلالها، وتعاني من نخبة وطنية فاسدة، والرئيس في خريف عمره والورثة المحتملون يخوضون صراعات خفية على خلافته. يختفي الاحتلال والمشروع الوطني والشأن السياسي برمته.
لذلك، مثلاً، تكرس صفحات مقربة من محمد دحلان للحديث عن الفساد بإفراط عجيب، وحين تفكر باستثمار جريمة إسرائيلية، في سياق هجومها على أبو مازن، تهاجم التنسيق الأمني والسلوك الخياني من دون أي طرح، ولو من حرف واحد، لبرنامج سياسي وأمني مختلف عما يطرح أبو مازن. هكذا بكل طرافة يهاجم عراب التنسيق الأمني التنسيقَ الأمني مضطرا! والأهم أن قناعة القائمين على هذه الصفحات بعدم وجود أي مشروع آخر يختلف، في شقه السياسي، عما يقدمه أبو مازن، هو ما يجعل موضوع العلاقة مع الاحتلال غير مفضل، وتضطر تلك الصفحات للحديث فيه فقط في لحظات التوتر الجماهيري إزاء الاحتلال، والتي لا يمكن أن تمر في نظرهم من دون استثمار.
لا نحتاج، نحن الفلسطينيين، لجهد وبحث كثيرين، لندرك فساد السلطة واستشراءه على كل المستويات، حتى أننا مللنا من فرط ما عرفنا وسمعنا، وتحول الأمر، مع الوقت، إلى مجال تندر ونكات، من دون أي آلية للضغط الشعبي على السلطة في هذا المجال. وبات الأمر أشبه بأخبار مثيرة، نسمعها عن دولة مجاورة. حتى إمكانية محاسبة الفاسدين عبر صناديق الاقتراع لا تبدو واردة، مع ترسخ القناعة بأن انتخابات سلطة تحت الاحتلال، وبلا مشروع سياسي لا تغير شيئا.
اليوم، لا يمكن النظر إلا بعين الريبة لأي خطاب أو سجال يتجاوز بديهيتنا الوحيدة، نحن الفلسطينيين، أننا تحت احتلال يقتلنا يوميا، وأي قيادة لا تجيب عن سؤال الاحتلال ليست إلا مشروع فساد كبير ومفتوح.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين