خلافات سعودية إماراتية بشأن اليمن

10 مارس 2019
أسست الإمارات "المجلس الانتقالي الجنوبي" صاحب التوجهات الانفصالية(فرانس برس)
+ الخط -
تسبب قرار الأمن المصري، يوم الخميس الماضي، بمنع انعقاد مؤتمر الائتلاف الجنوبي اليمني، الداعم لشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في القاهرة، والذي يعوّل عليه لأن يكون كياناً موازياً لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم من الإمارات، في جدل واسع، لا سيما بعدما كان رجل الإمارات الأول في جنوب اليمن، نائب رئيس "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، أول من هدد منظمي المؤتمر باستخدام الأمن المصري لمنع عقده.
وعكست تصريحات مصادر دبلوماسية عربية ومصرية، تواصل معها "العربي الجديد"، وجود تباين حول الأسباب الحقيقية التي دفعت السلطات المصرية إلى التراجع عن موافقتها على السماح بعقد المؤتمر الأول للائتلاف على أراضيها.

وفي أحدث رواية مصرية، قالت مصادر رسمية، تحدثت مع "العربي الجديد"، إن السبب يعود لمشاركة قيادات في حزب الإصلاح، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين باليمن، في المؤتمر. 

وبحسب المصادر المصرية، فإن مسؤولين بارزين في دولة الإمارات برروا مطلبهم للقيادة المصرية بعدم إقامة المؤتمر بوجود قيادات محسوبة على تيار "الإخوان المسلمين"، في إشارة لقيادات حزب الإصلاح، بينهم وزير الشباب والرياضة نايف البكري. ويعد البكري، وهو محافظ عدن السابق، أحد أبرز القيادات الجنوبية الذين ترفض أبوظبي التعامل معهم وتمنعهم من دخول العاصمة المؤقتة للشرعية.

وكانت مصادر رسمية مصرية قد أكدت، لـ"العربي الجديد"، قبل الإعلان رسمياً عن منع عقد المؤتمر، أن مسؤولين في جهاز الاستخبارات العامة أبلغوا عدداً من الشخصيات اليمنية الموجودة في القاهرة بصعوبة انعقاد مؤتمر ما يسمى بـ"الائتلاف الجنوبي" في أحد فنادق العاصمة المصرية تحت إشراف من الجهاز. وأوضحت المصادر أن المسؤولين المصريين أبلغوا منظمي المؤتمر أن عقده قد يتسبب للقاهرة في حرج مع حليف إقليمي، نافية، في الوقت ذاته، توجيه الأمن المصري أي تهديدات للمسؤولين عن عقد المؤتمر لمغادرة الأراضي المصرية، وكاشفة عن أن فكرة عقده في القاهرة منذ البداية جاءت بعد تدخل أطراف على علاقة قوية بالسعودية التي تقود العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
بدوره، قال مصدر دبلوماسي مصري رسمي إن الجهات المعنية المصرية لم يكن لديها، منذ البداية، أي اعتراض على عقد المؤتمر، بل تم اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لخروجه بأفضل شكل ممكن، وسط إشراف وتجهيز كامل من جهاز الاستخبارات العامة، مشيراً إلى أن ذلك التوجه جاء بعد تدخل مسؤولين سعوديين طالبوا القاهرة باستقبال المؤتمر، لافتا إلى أن عدداً من المشاركين في المؤتمر كانوا قادمين من السعودية.


وفي السياق ذاته، أكدت مصادر عربية أن إلغاء المؤتمر يأتي كحلقة جديدة في مسلسل الخلاف في إدارة الملف اليمني بين السعودية والإمارات. وبحسب مصدر عربي رفيع المستوى، فإن هناك خلافاً أخذ في الاتساع أخيراً، موضحاً أن ما يعرف بـ"فريق أبوظبي" (عدد من المسؤولين والمستشارين السعوديين الذين يروجون لأفكار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الرياض) بات صاحب تأثير داخل منظومة الحكم السعودية. وشدد المصدر العربي نفسه على أن أبوظبي، التي أسست ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" صاحب التوجهات الانفصالية، "تدعم فكرة إقامة دولة ذات حكم مستقل في جنوب اليمن، وذلك بسبب تمكنها (بحسب قناعتها) من صناعة ظهير قوي لها هناك". ووفقاً للمصدر فإنه "من المتوقع أن تكون تلك الدولة، في حال نجاح المخطط، تحت سيطرة كاملة من الإمارات، ما يؤمن لها نفوذاً واسعاً في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب".

وأوضح المصدر أنه في وقت سابق، كانت هناك حالة من "التوافق" بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، على طريقة موحدة لإدارة ذلك الملف، إلا أنه أخيراً "بعد عودة الملك سلمان بن عبد العزيز لإدارة المشهد، ولعب دور كبير فيه، فإن مستشارين مقربين من الملك، أكدوا له خطورة التصور الإماراتي، والذي قد يضعف من النفوذ السعودي بالمنطقة، ويخصم منه لصالح أبوظبي". وأشار المصدر إلى أن أطرافاً بمنظومة مجلس التعاون الخليجي رصدت بشكل واضح التحركات الإماراتية في ملف جنوب اليمن، ونوايا أبوظبي، مؤكدة أن الأخيرة ما زالت تستقبل على أراضيها اجتماعات تبحث "سُبل إقامة دولة في الجنوب"، بمشاركة شخصيات جنوبية محسوبة عليها. وشدد على أن "الائتلاف الجنوبي، الذي تم منع إقامة مؤتمره الأول في القاهرة أخيراً، كان تحركاً سعودياً مضاداً لتحجيم المساعي الانفصالية". مع العلم أن "الائتلاف الوطني الجنوبي" كان قد أعلن للمرة الأولى أواخر إبريل/نيسان 2018، عبر بيان إشهار، ضم أسماء 63 شخصية يمنية جنوبية، وممثلين عن مكونات "الحراك الجنوبي السلمي، المقاومة الجنوبية، أحزاب المؤتمر الشعبي العام (جناح الرئيس عبدربه منصور هادي)، التجمّع اليمني للإصلاح، التنظيم الوحدوي الناصري، حركة النهضة للتغيير السلمي (سلفيون)، حزب العدالة والبناء، واتحاد الرشاد السلفي"، إضافة إلى مكونات أخرى.

وأشار المصدر إلى أن أبوظبي كانت قد "أوهمت الرياض، في وقت سابق، بتوقف تلك المساعي الانفصالية، وتوحيد كافة الجهود لحين غلق ملف اليمن والقضاء على الحوثيين والخطر الإيراني"، بحد تعبير المصدر، إلا أن الحقيقة على أرض الواقع كانت عكس ذلك، إذ استمرت الإمارات في نهجها، وعملت على تشكيل قوات ومليشيات مسلحة كبيرة، ودعمتها بملايين الدولارات والخبرات العسكرية، حيث تعاقدت أبوظبي مع قيادات عسكرية غربية وخبراء عسكريين سابقين في جيوش أوروبية، للإشراف على تدريب وتشكيل تلك المليشيات، وهو الأمر الذي يثير حفيظة السعودية، لافتاً إلى أن من بين تلك الشخصيات القائد الأسبق للقوات الخاصة الأسترالية مايك هندمارش.

وتحوّلت الإمارات، في السنوات الأخيرة، إلى مقر لإقامة العديد من الشخصيات الجنوبية ذات التوجهات الانفصالية، حيث تتولى أبوظبي إدارة كافة اجتماعاتهم ومساعيهم للانفصال. وذكر المصدر العربي المسؤول، الذي تحدث إليه "العربي الجديد" أنّه اطلع شخصياً على تصور كانت تتبناه أبوظبي، يقضي بإقامة دولتين فدراليتين في اليمن، إحداهما شمالية والأخرى جنوبية.