واجه مشروع قانون جديد للبنك المركزي التونسي قبل أن يقره البرلمان مساء أمس الثلاثاء انتقادات عديدة من نواب المعارضة، في الوقت الذي أيد فيه الائتلاف الحاكم القانون باعتباره يعطي مزيدا من الاستقلالية للبنك المركزي الذي يتولى إدارة السياسة النقدية في البلاد.
استندت انتقادات المعارضة لمشروع القانون إلى عدم الدقة والوضوح في المشروع ككل، قبل المرور إلى فصوله، حيث أكد المعارضون أن صندوق النقد الدولي طالب تونس مباشرة وفي إطار ما اشترطه من إصلاحات اقتصادية، بإعادة النظر في القانون الأساسي المنظم للبنك المركزي، وهو ما لم ينفه رئيس لجنة المالية اياد الدهماني.
وأوضح نواب من المعارضة أن المشروع ورد باللغة الفرنسية وهو ما كشف أنه تمت إحالته من "الدوائر المالية العالمية" حتى تتم المصادقة عليه بصيغته الأولى، لكن الترجمة التي تمت للعربية أضاعت عدة مفاهيم، وهو ما استوجب حضور محافظ البنك المركزي بلجنة المالية على امتداد اجتماعاتها ونقاشاتها لتدقيق المعاني والمفاهيم الاقتصادية.
وقال النائب عن الجبهة الشعبية اليسارية فتحي الشامخي لـ"العربي الجديد"، إن النواب لم يفهموا سر هذا التسرع في عرض المشروع والتسريع في النقاشات بشأنه في حين أن أهميته تفرض تخصيص الوقت الكافي له.
وأضاف الشامخي إن "صندوق النقد الدولي هو من صمم مشروع القانون، وما على تونس إلا الموافقة عليه وفي ذلك انتقاص واضح من سيادة الدولة الاقتصادية.
ومن جانبها عبرت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو عن امتعاضها من المشروع برمته معتبرة إياه تعديا صارخا على سيادة الدولة الاقتصادية، وشددت على أن النقاشات بشأنه تمر تحت ضغط سياسي دولي كبير.
وقالت لـ"العربي الجديد" إن المشروع لم يكن في مستوى الانتظارات وخاصة بالرجوع إلى حساسية الهيكلة وأهميته، مبرزة أن ما هو مطلوب اليوم هو استقلالية واقعية للبنك على مستوى اتخاذ القرارات وتحديد السياسات على أن تحاط برقابة فعلية أيضا.
استقلالية البنك
وحسب ما ورد في القانون الجديد فإن به من الصلاحيات الجديدة التي تعزز استقلالية البنك المركزي بشكل واسع، كما يسند صلاحيات واسعة للمحافظ، في تحدید السیاسة النقدیة وتنفيذها وإصدار النقد وإدارته، والتصرف في الذهب، والسهر على الأداء الفعال لنظام الدفع الوطني، وتطبیق سیاسة الصرف، ومسك احتیاطي الصرف والتصرف به، إضافة إلى الرقابة على مؤسسات القرض، ولعب دور العون المالي للدولة ودور المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة، وتدعیم الأدوات القانونیة المتاحة للبنك المركزي.
ويتمتع البنك المركزي وفق مشروع القانون الجديد، بسلطة ترتیبیة خاصة لإصدار تراتیب ملزمة خاصة فيما یتعلق بمتطلبات الاحتیاطي الإجباري للبنوك كما يمكن له تقديم مساعدات السیولة الطارئة إلى البنوك التي تشكو من صعوبات مؤقتة على مستوى السیولة.
الائتلاف يؤيد
كان البرلمان التونسي في جلسته العامة ولجنة التوافقات قد شهد خلال الأيام الماضية نقاشات مؤيدة ورافضة لمشروع القانون، حيث وجهت كتلة نواب نداء تونس أصابع الاتهام لمحافظ البنك المركزي الحالي الشاذلي العياري، واعتبرته المسؤول الأول عن تدهور الوضع الاقتصادي، وقال النائب عن الكتلة المنجي الحرباوي إن محافظ البنك المركزي ووزير المالية سليم شاكر هما المسؤولان عن تدهور الوضع الاقتصادي، داعيا إلى إعفاء العياري من مهامه وتعيين آخر خلفا له.
وكان نداء تونس سبق أن طرح اسم رئيس كتلته الفاضل بن عمران لتولي المنصب، علاوة على أن خلافات عدة بين العياري وحزب النداء نشأت في الفترة الأخيرة.
واعتبر نواب الائتلاف الحاكم مشروع القانون ملائما للمرحلة الاقتصادية، معتبرين أن الاستقلالية ستمكن البنك من تسهيل العمل واتخاذ القرارات.
ودعا رئيس كتلة النداء الفاضل بن عمران في هذا الصدد إلى تدعيم استقلالية البنك مع ترك قنوات للتواصل مع الحكومة في إطار تحديد السياسة النقدية للدولة، واعتبر أمين عام حركة النهضة علي العريض في مداخلته أن المشروع يندرج ضمن الإصلاح الاقتصادي الذي تقوم به الدولة التونسية، مشيرا إلى أن الحديث عن أن استقلالية البنك ستفتح الباب نحو تفرده بالقرارات ورضوخه لاملاءات وتوصيات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي هو أمر لا يستقيم، فاستقلالية البنك المركزي ستكون عن الحكومة في مستوى مهامه ليس أكثر.
وأبدى رئيس كتلة الحرة (الممثلة لحزب حركة المشروع الذي يتزعمه محسن مرزوق) عبد الرؤوف الشريف انتقادا للاستقلالية المطلقة للبنك المركزي بالصورة التي ينص عليها مشروع القانون.