وعلى الرغم من أنه كان يفترض الانتهاء من التوصل لهذه المذكرة في صيف العام 2015، إلا أن فشل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في إحباط الاتفاق النووي مع إيران، وتحديداً أن يشمل الاتفاق قيوداً شديدة على الترسانة الصاروخية الإيرانية ولا سيما الصواريخ العابرة للقارات والغلاف الجوي، دفعه في مطلع العام الحالي، إلى استغلال الأوضاع السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، ولا سيما الانتخابات الأميركية من جهة، وضعف الحزب الديمقراطي الحاكم في غرفتي الكونغرس الأميركي من جهة ثانية، إلى التلميح بأن حكومته قد تفضل تأجيل وإرجاء تحديد شروط مذكرة التفاهم بشأن هذه المعونات بانتظار انتخاب رئيس جديد ووصول الإدارة الجديدة.
وعلى الرغم من أنّ حكومة نتنياهو تراجعت لاحقاً عن هذا الموقف المعلن خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، إلا أن رسالة أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، التي وقع عليها 83 عضواً، لحثّ أوباما على قبول الموقف الإسرائيلي برفع حجم المعونات إلى 40 مليار دولار، على مدار العقد المقبل، على الأقل، أعادت من جديد طرح طبيعة وأسباب الفجوة القائمة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما، ولا سيما أن الجهات الأمنية والعسكرية في إسرائيل، دعت في أكثر من مناسبة للمسارعة إلى التوقيع على مذكرة التفاهم.
ووفقاً لتقدير موقف خاص أصدره مدير مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، الجنرال عاموس يادلين، فإن المحادثات بين الطرفين دخلت في "طريق مسدود".
وينسب يادلين أهمية كبيرة لرسالة أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من حيث كونها تعكس إجماعاً لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على الالتزام بأمن إسرائيل، وأيضاً على وجوب ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على مجمل الدول العربية ودول منطقة الشرق الأوسط.
ويرى يادلين أن السبب أو الخلاف الجوهري الرئيسي بين الطرفين يكمن في كون اعتقاد إدارة أوباما أن الاتفاق النووي مع إيران، قد أزال أكبر خطر يُمكن أن يهدد أمن إسرائيل، فيما تدعي الحكومة الإسرائيلية، تحت قيادة بنيامين نتنياهو، أن هذا الاتفاق بالذات يزيد من المخاطر الأمنية، ولا سيما أنه لا يتطرق لنشاط إيران العسكري في مجال الصواريخ بعيدة المدى وخصوصاً القادرة على حمل رؤوس نووية أو كيماوية. ويضاف إلى ذلك الدعم العسكري للدول العربية، التي ستحظى بدورها بترسانة من الأسلحة المتطورة، ولا سيما دول الخليج، لمواجهة الخطر والتهديدات الإيرانية.
الخلاف الجوهري الثاني، وقد يكون الأهم من حيث دلالاته السياسية المستقبلية، يتعلق، بحسب يادلين، بانقطاع أو انتفاء التماهي الذي ساد بين القيم الأميركية وبين القيم الإسرائيلية، من منظور الإدارة الأميركية. وبينما ترى إدارة أوباما أن الحل السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين هو الضمان الأفضل لأمن إسرائيل، فإن دولة الاحتلال، تعتبر أن أي انسحاب من الضفة الغربية من شأنه فقط أن يزيد من الأخطار التي تهدد أمنها. ويُضاف إلى ذلك الادعاء الإسرائيلي بأن الحل مع الفلسطينيين لن يزيل الأخطار التي تمثلها إيران وكذلك حزب الله.
وفي المرتبة الثالثة، بحسب تقدير الجنرال عاموس يادلين، يأتي تراجع مكانة أو صفة إسرائيل باعتبارها الحليف الأمثل من حيث منظومة القيم والمبادئ الأساسية والعامة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتتمثل الفجوة أو التراجع في هذه المكانة الخاصة، في كون عقيدة أوباما تعتبر أن الشرق الأوسط ككل أقل أهمية للولايات المتحدة مقارنة بمناطق آسيا والمحيط الهادئ، ولا سيما أن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على الشرق الأوسط لضمان أمنها في مجال الطاقة والوقود.
ومن حيث التوقعات، فقد نجم الخلاف أيضاً بفعل التباين في توقعات الطرفين بشأن حجم المعونات للعقد المقبل. ففيما توقعت إسرائيل أن تحصل على زيادة كبيرة في حجم المعونات الأميركية، فإن إدارة أوباما تحدثت عن رفع المعونات لسقف لا يتعدى مبلغ 3.7 مليارات دولار سنوياً، مقابل أكثر من أربعة مليارات بحسب التوقعات الإسرائيلية.
يذكر أن إحدى نقاط الخلاف الإضافية القائمة بين الطرفين تتمحور حول طلب الإدارة الأميركية التزام إسرائيل بعدم طلب زيادة للمعونات المقدمة لها وفق مذكرة التفاهم التي يتم التوصل إليها. وتريد الولايات المتحدة ضمان عدم طلب إسرائيل اقتطاع أي مبالغ من ميزانية وزارة الدفاع الأميركي بذريعة تقديم معونات وميزانيات لتمويل مشاريع تطوير مشتركة، مثل تلك التي ترصد لمشروع تطوير منظومة صواريخ حيتس.
كذلك يشير يادلين إلى معضلة أخرى تتعلق بكيفية توزيع المعونات الأميركية، ولا سيما بعد إلغاء تمويل مشروع طائرة لافي الإسرائيلية، وتحويل أموال أميركية لإسرائيل لشراء أسلحة إسرائيلية الصنع وتطوير الصناعات العسكرية الإسرائيلية من جهة، وأن تأخذ إسرائيل بعين الاعتبار المصاعب الخاصة التي تواجه الإدارة الأميركية في رصد وإقرار ميزانيات إضافية، ولا سيما في ضوء العجز الكبير في الميزانية الفدرالية الأميركية من جهة ثانية.
ووفقاً ليادلين، يشكل الخلاف في الموضوع الفلسطيني مثالاً آخر على الفجوة في المواقف الأميركية والإسرائيلية، وتحديداً في الربط الذي تريده إدارة أوباما بين المعونات الأمنية وبين التقدم في المسار الفلسطيني، وربط ذلك أيضاً بـ"الميراث" الذي سيتركه أوباما وراءه. هناك من لا يرغب في إسرائيل، أن يحصل أوباما، في حال إبرام مذكرة التعاون خلال ولايته، على فرصة إضافية يثبت من خلالها مدى مساندته ودعمه غير المحدودين لأمن إسرائيل، وهو ما قد يسهّل على أوباما التحرك في الموضوع الفلسطيني، دون أن يكون عرضة لاتهامات له بالتفريط بأمن إسرائيل.
وأخيراً يعتبر يادلين أن أحد أسباب الخلافات بين الطرفين يكمن في انعدام الثقة بشكل مطلق بين أوباما ونتنياهو، وسوء العلاقات الشخصية بين الرجلين، والذي بلغ أوجه في العام الماضي في المواجهة بين الرجلين على خلفية الاتفاق مع إيران ومحاولات نتنياهو إحباط الاتفاق من داخل الكونغرس الأميركي.
ويخلص يادلين إلى القول إن سوء الإدارة من الجانب الإسرائيلي هو ما منع وحال دون التوقيع على مذكرة التفاهم مع الولايات المتحدة. ويعتبر أنها ناجمة عن سياسة إسرائيلية خاطئة، تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً بسببها ولا سيما في المجال الذي تدعي فيه إدارة أوباما أنها كانت الإدارة الأكثر تعاوناً وتجاوباً مع إسرائيل فيه. ويدعو يادلين إلى وجوب تحريك المفاوضات بين الطرفين لاستكمال اتفاقية المعونات الأميركية في مجمل المجالات ولا سيما إزاء الخطر الذي تشكله إيران على المدى البعيد، والمحافظة على التفوق النوعي للقوة العسكرية الإسرائيلية، وضمان معونات فعلية تكون متوفرة لإسرائيل بشكل عملي وليس رمزيا فقط وتضمن عدم المسّ بالصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية، على حد قوله. كما يدعو إلى ضرورة ضمان أن تشمل مذكرة التفاهم بقاء الباب مفتوحاً أمام تقديم إسرائيل مطالب للحصول على إضافات لهذه المعونات من الكونغرس والإدارة الأميركية ككل ورفض الاشتراط الأميركي في هذا المجال بالتزام إسرائيل بعدم تقديم طلب للحصول على معونات إضافية غير التي يتم تحديدها في مذكرة التعاون، وخارج إطار الميزانية الأميركية العامة، في حال تعاظم الخطر الإيراني أو خطر "داعش"، أو في حال حدوث تحولات سلبية إضافية في الشرق الأوسط ، بحسب ما يقول.