خلال اليومين الماضيين خفضت مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى تصنيف العديد من الدول العربية، وكانت مصر ودول الخليج صاحبة النصيب الأكبر من هذه التخفيضات الجماعية، فقد خفضت مؤسسة ستاندرد أند بورز التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل لمصر إلى سلبي، بعدما كان مستقراً، على خلفية الصعوبات المالية التي تواجهها البلاد، خاصة خلال الفترة الأخيرة، وما صاحبها من نقص في السيولة واضطرابات في سوق الصرف.
وكان اللافت في بيان "ستاندرد أند بورز" الذي أصدرته أول أمس السبت هذه الفقرة التي تعكس قلقاً متنامياً منها تجاه الأوضاع الاقتصادية والمالية في مصر، إذ تقول الفقرة نصاً، "تعكس النظرة السلبية للمؤسسة، تقديرنا بأن هشاشة الوضع المالي في مصر قد تتفاقم خلال 12 شهرا المقبلة. وإننا نعتقد أن هذا يعطل تعافي اقتصاد البلاد، ويصعد التوتر السياسي والاجتماعي في البلاد".
وخفضت مؤسسة "موديز" العالمية التصنيف الائتماني لثلاث دول خليجية هي السعودية والبحرين وسلطنة عمان، في حين ثبتت تصنيف الكويت وقطر وأبوظبي مع منح كل منها نظرة مستقبلية سلبية.
أسباب خفض التصنيف الائتماني لهذه الدول معروفة وغير خافية على أحد، ففي السعودية مثلا نجد أن الأسباب تكمن في تفاقم الأزمات المالية التي تعاني منها المملكة خلال الفترة الأخيرة، فهناك تراجع للوضع الائتماني، وهناك انخفاض لمعدل النمو الاقتصادي، وزيادة للأسعار، مع خفض الدعم المقدم لبعض السلع الأساسية، وأيضا هناك حالة من الركود داخل الأسواق صاحبها تطبيق الحكومة سياسة التقشف.
وهناك تجميد لمشروعات كبرى داخل السعودية لنقص السيولة لدى المستثمرين، إضافة لتراجع الاحتياطيات المالية للمملكة والسحب من الاحتياطيات الأجنبية بشكل مستمر، مع زيادة مستوى الدين العام وعجز الموازنة العامة، وهذه الأزمات ناتجة أساساً من تهاوي أسعار النفط الذي يمثل النسبة الأكبر من إيرادات البلاد.
وتكرر السيناريو في البحرين وسلطنة عمان، حيث تأثرت إيراداتها بتهاوي أسعار النفط وفقدانه نحو 60% من قيمته في آخر عامين.
أما في مصر فإن أسباب خفض تصنيفها الائتماني لم تختلف كثيراً عن دول الخليج باستثناء عنصر النفط، فقد تراجعت مؤشرات الاقتصاد المصري والوضع المالي لأسباب عدة، أهمها عجز الموازنة الذي يتوقع أن يفوق 300 مليار جنيه ( ما يعادل 33.8 مليار دولار) بنهاية العام المالي الحالي.
وهناك عجز في الميزان التجاري الخارجي لمصر رغم قيود الاستيراد الأخيرة وزيادة الرسوم الجمركية، إضافة لأزمة الدولار ونقص الطاقة، إضافة لزيادة معدلات الدين المحلي والخارجي، وتردي إيرادات قطاعات رئيسية مدرة للنقد الأجنبي مثل الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين وقناة السويس.
تراجع التصنيف الائتماني لأي دولة يعد مسألة خطرة، فالخفض يدل على زيادة درجة وحجم المخاطر المحيطة بالدولة، كما أن الخفض يؤثر سلبا على سمعة الدولة في الأسواق الخارجية، وخطورته تكمن أيضأ في أن الخفض يعطي انطباعا سلبيا للمستثمر الخارجي عن هشاشة الدولة واقتصادها واستقرارها السياسي، ولذا فإن من نتائج خفض تصنيف دولة زيادة تكلفة الاقتراض الخارجي وزيادة عبء الاقتراض.
كما أن خفض التصنيف يؤثر سلبا على تصنيفات المؤسسات المالية العاملة داخل الدولة، وهذا سينعكس سلبا على جاذبية الاستثمار في البورصة، خاصة من قبل الأجانب الذين يضعون في اعتبارهم بشدة تقييمات مؤسسات التصنيف.
إذاً خفض التصنيف الائتماني خطر، وإذا كانت دول الخليج لديها من الاحتياطيات الأجنبية والاستثمارات الخارجية ما يقلل من تأثيرات هذا الخفض، فإن المشكلة تكمن في الدول التي لا تمتلك احتياطيات كافية، ومنها مصر مثلا.