خفض الفائدة وأزمة الاستثمار الخاص في مصر

05 سبتمبر 2019
خفض الفائدة لم يحقق كثيراً من النتائج المرجوة(العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً إعلان البنك المركزي المصري قبل أيام خفض سعر الفائدة بواقع 150 نقطة أساس أو ما يعادل 1.5% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية، في خطوة يرى الكثير من المراقبين أنها إيجابيه، وتبعث على التفاؤل بالنسبة للمستقبل التنازلي لأسعار الفائدة.
بل وتشير خطوة المركزي إلى أن مصر ربما بدأت سياسة التيسير النقدي بدلاً عن السياسة النقدية المتشددة، والتي طبقتها بصرامة خلال فترة تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي.

بدايةً أؤكد إيماني العميق بأن سعر الفائدة كأداة نقدية يعتبر أحد أهم المعوقات التنموية، وأن استمرار تخفيضه ذو فوائد كبرى على مجموع مجتمع الأعمال، بل وعلى الحكومة، رغم تضرر طبقة المودعين، ولكن تبقى المشكلة دائماً في حسن استخدام الأداة لتحقيق الأهداف المنشودة، والتي تتوقف في الأساس على الظروف المحلية الداعمة أو المثبطة للحركة الاستثمارية.
وتشير النظرية الاقتصادية إلى العلاقة العكسية بين سعر الفائدة والاستثمار، بما يعني أن خفض سعر الفائدة يخفض من تكلفة الأموال المقترضة من أجل الاستثمار، وبالتالي من المفترض نظرياً زيادة وتيرة الاستثمار.

ولكن تجدر الإشارة إلى أنه عند دراسة الأثر الخاص بسعر الفائدة على الاستثمار الخاص، فلا بد من التفرقة بين الاستثمار الفعلي والاستثمار المرغوب فيه، وأن الاستثمار الفعلي يعتمد أساساً على تراكم رأس المال، وكذلك على نوعية الموارد المتاحة وفاعلية استخدامها، كما يعتمد على مستويات الأجور ومعدل التضخم وغير ذلك من الأمور التي تعتمد على العديد من التفاصيل المعقدة.


وبناءً على ذلك يمكن القول إنه بما أن الدافع على الاستثمار الخاص يكون عادة تحقيق أعلى ربح ممكن، لذلك ينظر الاقتصاديون فيما يتعلق بالاستثمار الخاص إلى "الإنتاجية الحدية الخاصة لرأس المال". وبالتالي فإن خفض معدل الفائدة يمكن ألا يؤدي بالضرورة إلى المزيد من الاستثمارات الفعلية، ويتوقف ذلك على تباين تفاصيل القدرة على الاستثمار والتي تتوقف على العوامل سابقة الذكر.

وتشير الحالة المصرية إلى وجود تراكم رأسمالي جيد من الودائع لدى البنوك المصرية، والذي بلغ 3.5 تريليونات جنيه بنهاية عام 2018، ورغم ذلك فإن أثر المزاحمة بين الحكومة والقطاع الخاص كبير على تلك الودائع، لا سيما في ظل الاعتماد المستمر من الحكومة على هذه الودائع كأحد المصادر الرئيسية لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة. 

وكذلك في ظل حالة الاستسهال من القطاع المصرفي في الاعتماد على الحكومة كمقترض رئيسي وعدم السعي نحو البحث عن مستثمرين جادين يرغبون في توسعة أنشطتهم، أو يسعون لبناء أنشطة جديدة.

أما بالنسبة للموارد، فيمكن الحديث عن موردين رئيسيين هما الأراضي والعمالة، فالنسبة للعمالة المصرية فهي تعاني من تراجع كبير في الإنتاجية مقارنة بنظيرتها في الاقتصادات الناشئة، وذلك يرجع إلى تراجع مستوى التعليم والتدريب في مصر، لا سيما التعليم المهني والذي لا يزال المصريون ينظرون إليه بدونية.

وقد اعترفت الدولة بهذا التدنّي عندما أقرت في قانون الاستثمار الجديد الصادر في مايو/ أيار 2017 بإمكانية الاستعانة بنسبة 10% من العمالة الأجنبية، كما أجاز القانون زيادة هذه النسبة إلى 20%، في حالة عدم توفر عمالة وطنية تملك المؤهلات اللازمة، وذلك وفقاً للضوابط والقواعد التي تبينها اللائحة التنفيذية للقانون.

أما بالنسبة للأراضي فمن المعروف مدى سيطرة الأجهزة السيادية على الأراضي في مصر، ومؤخراً بات الجيش هو الفاعل الوحيد في تخصيص الأراضي للمشروعات المختلفة، وبالطبع لا يفلت من تلك السيطرة إلا ذوو الحظوة من المستثمرين المقربين من السلطة.

هذا بخلاف المشاكل في إنهاء التراخيص للأنشطة المختلفة والتي لا تزال قائمة وتتحكم فيها الأجهزة الأمنية إلى حد كبير، ورغم إعطاء وزارة الصناعة تراخيص مؤقتة لمزاولة النشاط خلال الفترة الماضية إلا أن مشكلة التراخيص لا تزال قائمة ويتداخل فيها الكثير من عوامل الفساد.

أما عن معدل التضخم، فقد تراجع المعدل السنوي للتضخم في مصر لأدنى مستوى منذ أربع سنوات، حيث سجل في يونيو 2019 نحو 8,9%، مقارنة بـ 13,8% لنفس الشهر من عام 2018، و30,9% في يونيو 2017، و14,8% لذات الشهر من عام 2016، و11,5% في يونيو 2015.


ورغم هذا التراجع المحمود، على فرض صحة الأرقام، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن المقارنة الرقمية لمعدل التضخم تشير إلى الوضع الحالي مقارنة بما سبقه، بمعنى أن تراجع التضخم لا يعني تراجع الأسعار، بل التراجع في معدل زيادتها.

وستبقى الأسعار، وبالتالي القوة الشرائية للمواطنين، في أفضل الأحوال على وضعها الحالي، المنكمش بفعل تراكمية ارتفاع الأسعار خلال السنوات الأخيرة، وهو الوضع الذي يثبط الاستثمار الخاص الموجه للسوق المحلية، لتعويضها عن الواردات، خاصة من السلع الأساسية.

تتبقى نقطة أخيرة والتي أشار إليها على استحياء الكثير من التقارير الدولية الصادرة عن معظم مراكز البحوث، بل وأشار إليها البنك الدولي مؤخرا، بالإضافة إلى أن مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الإمارات دبي الوطني يشير إلى استمرار انكماش القطاع الخاص المصري تقريبا طوال الثلاثة أعوام الماضية، وتتفق كل المصادر السابقة في تفسير ذلك على نقطة تدخل الدولة، الأجهزة السيادية، في النشاط الاقتصادي.

ووجهة نظري أن هذه النقطة مفصلية في تثبيط الاستثمار بنوعيه المحلي والأجنبي، بل إنها مفسرة للعزوف المتتالي للاستثمار الأجنبي، كما أنها تتناقض مع البرنامج الليبرالي الذي طبقته الإدارة المصرية مع صندوق النقد.

كل ما سبق تفصيله كان محاولة لبيان الأثر المحتمل للخفض الحالي لسعر الفائدة والتخفيضات المتوقعة لاحقاً على الاستثمار المحلي، والذي من وجهة نظري لن يتأثر كثيراً بهذا الخفض لوجود الكثير من العوامل الأخرى التي تتحكم في تشجيعه، والتي لا تزال الإدارة المصرية في حاجة إلى مناقشتها بصورة جادة بعيدة عن الأهواء والمصالح المتعلقة ببعض الجهات.

كما أن المناقشة السابقة لا تنفي بعض التأثيرات الإيجابية لهذا الخفض سواء على عجز الموازنة العامة، أو على القروض الاستهلاكية، أو غير ذلك من التأثيرات الإيجابية، بل وأكرر أن سعر الفائدة من وجهة نظري هو أحد المثبطات الكبرى ليس فقط على النشاط الاستثماري، بل على العملية التنموية بكاملها.