في اتفاق يعيد منظمة "أوبك" ولأول مرة منذ العام 2014 إلى خارطة التأثير على أسواق النفط، نجحت منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بعد مباحثات شاقة وجولات مكوكية في الاتفاق على خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً إلى 32.5 مليون برميل يومياً.
وتمكنت السعودية والعراق وإيران بعد مفاوضات شاقة وطويلة من الاتفاق على التشارك في تحمل عبء خفض الإنتاج. وحسب مشاركين في اجتماع أوبك الذي استضافته العاصمة النمساوية فيينا الأربعاء فإن الاتفاق على خفض الإنتاج يعد مؤشراً إيجابياً من الثمار المباشرة للتعاون بين السعودية وإيران والذي يحدث لأول مرة منذ العام 2008.
وقال مصدر في "أوبك" لرويترز إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) توصلت إلى اتفاق بشأن أول خفض لإنتاج النفط منذ 2008. وقال المصدر إن الاتفاق يتماشى مع ما تم التوصل إليه في الجزائر في سبتمبر/أيلول.
وكانت الجزائر العضو في أوبك قد اقترحت تحديد سقف جديد للإنتاج عند 32.5 مليون برميل يوميا مقارنة مع 33.7 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.
وفي مراكز المال العالمية، ترجمت أسواق النفط والمال مبكراً هذا النجاح في رفع أسعار النفط ومؤشرات الأسهم في أسواق المال الأوروبية، حيث قفزت أسعار النفط في تعاملات الظهيرة بلندن نحو 8.0% وكسب خام برنت، وهو خام القياس لمعظم خامات" أوبك" في العقود الآجلة 3.76 دولارات ليرتفع إلى 50.14 دولارا للبرميل متجها صوب تسجيل أكبر تغير يومي في تسعة أشهر. كما ارتفعت كذلك العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 3.55 دولارات إلى 48.78 دولارا للبرميل.
وفي إشارة إيجابية أخرى لاستجابة أسواق المال عقب نجاح اجتماع خفض الإنتاج، ارتفعت الأسهم الأوروبية الأربعاء في أعقاب تعاملات متقلبة خلال الأسبوع. وعادة ما تتبع أسواق الأسهم في البورصات العالمية منحنيات أسعار النفط.
ويرى اقتصاديون أن العالم بحاجة فعلية إلى أسعار نفط مرتفعة حتى يتمكن من القضاء على شح الدولارات في مراكز المال الرئيسية التي تخنق الاقتصاد العالمي.
ويعد البترودولار الذي تضخه الدول الغنية في "أوبك" مثل السعودية ودول الخليج من أهم مصادر تغذية النظام المصرفي بالدولارات التي يحتاجها لإقراض الشركات وتمويل المشاريع التي توفر فرص العمل والنمو الاقتصادي.
وكان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قد قال قبيل الاجتماع، إن منظمة (أوبك) تقترب من التوصل لاتفاق على كبح إنتاج النفط، مضيفاً أن الرياض مستعدة لتحمل "عبء ثقيل" في إنتاجها والقبول بتثبيت الإنتاج الإيراني عند مستوياته ما قبل العقوبات الغربية.
وذكر الفالح أيضاً أن المنظمة تركز على خفض الإنتاج إلى 32.5 مليون برميل يومياً أو تقليصه بأكثر من مليون برميل يوميا، كما أمل بأن تساهم روسيا وغيرها من المنتجين المستقلين بخفض قدره 0.6 مليون برميل يومياً.
وحسب خبراء فإن اتفاق سيمكن النفط من الارتفاع فوق 50 دولاراً خلال الشهر الجاري وإذا انضمت إليه روسيا، فإن أسعار النفط ربما تقفز فوق 55 دولاراً للبرميل. لأن ذلك يعني بلغة الأرقام أن منتجي النفط من" أوبك" وخارجها سيتمكنون من سحب 1.8 مليون برميل من سوق الطاقة. وحسب خبراء في لندن فإن سعر 60 دولاراً للبرميل لم يعد مستبعداً في العام المقبل.
وكانت إيران، وحسب رويترز، قد بعثت يوم الثلاثاء رسالة إلى "أوبك" تقول فيها إنها تريد من السعودية أن تخفض إنتاجها بنحو مليون برميل يومياً وهو ما يزيد كثيراً عن حجم الخفض الذي يمكن أن تعرضه المملكة.
لكن نبرة إيران تغيرت وقبيل الاجتماع، إذ قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه "أنا متفائل"، مضيفاً أن بلاده لم تتلق طلباً لخفض الإنتاج. وذكر أن روسيا مستعدة لخفض الإنتاج.
وتأمل دول منظمة "أوبك" التي تضم 14 دولة وتساهم بثلث إنتاج النفط العالمي عبر هذا الاتفاق برفع أسعار النفط حتى تتمكن هذه الدول من زيادة دخولها من مبيعات النفط وخفض العجز في ميزانياتها وتتمكن من تمويل مشاريع حيوية للنمو الاقتصادي بدلاً من السحب من الأرصدة والاستدانة من أسواق المال.
وحسب خبراء نفط فإن هذا الاتفاق سيكون مهماً لبعض دول "أوبك" التي تواجه ظروفاً قاسية قد تقود إلى تغييرات سياسية مثل فنزويلا.
واقترحت وثائق نوقشت خلال اجتماع أن تخفض أوبك الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً، فيما سيخفض المنتجون المستقلون حوالي 0.6 مليون برميل يومياً. كما تتوقع أوبك أن تخفض روسيا الإنتاج حوالي 400 ألف برميل، لكنّ مصدرا بوزارة الطاقة الروسية قال إن هذا الرقم "مبالغ فيه بعض الشيء".
ويعد هذا الاجتماع تحولاً في الموقف السعودي الذي كان خلال العامين الماضيين يهتم بالمحافظة على حصة السعودية في السوق أكثر من الاهتمام بالأسعار، وهذه المرة الأولى منذ العام 2014 التي تضحي السعودية فيها بحصة الإنتاج في سبيل دفع الأسعار إلى أعلى.
وتستفيد أسواق المال والدول الأعضاء في أوبك من هذا الاتفاق. ويرى خبراء أن ما تحتاجه السوق حالياً هو الالتزام التام والتقيد بحصص الخفض من قبل الدول الأعضاء، حتى تتمكن الأسعار من التماسك أولاً حول 50 دولاراً للبرميل ثم تقفز لاحقاً إلى 55 دولاراً للبرميل.