خطّة لإنقاذ التلاميذ في الشمال السوري

06 نوفمبر 2019
الدراسة مستمرة رغم ضعف الإمكانيات (عامر الحموي/ فرانس برس)
+ الخط -
مع نزوح أكثر من مليون شخص إلى الشمال السوري مؤخراً، تكثر المساعي لإلحاق الأطفال بالعملية التعليمية، رغم صعوبة الأمر

على مدى أعوام، بدا واضحاً أنّ نظام الرئيس بشار الأسد يستهدف العملية التعليمية في سورية بشكل متعمد، من دون أن يكترث لتبعات تدميرها أو حرمان الأطفال من التعليم، الذي يشكل لبنة أساسية لنهوض المجتمعات وتفوقها في كافة النواحي، متجاهلاً أن الأطفال الذين يرتادون المدارس هم طرف محايد.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة والإمكانيات المحدودة جداً، سعت المعارضة السورية إلى ضمان استمرارية تعليم الأطفال، كما يحدث الآن في الشمال السوري. ومع نزوح نحو مليون شخص مؤخراً، لم تعد مدارس المناطق المحررة في ريفي إدلب الشمالي الغربي وحلب الغربي والجنوبي قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من التلاميذ. كما أن انقطاع الدعم عنها بحد ذاته تهديد حقيقي، وعائق لا يمكن الخلاص منه بسهولة.

ويتحدّث مدير التربية والتعليم في حلب، محمد مصطفى، لـ "العربي الجديد"، عن حلول لتلافي التقصير الحاصل لدى التلاميذ المتأخرين عن أقرانهم في الدراسة. ويوضح: "بالنسبة لهؤلاء، توقف التعليم في بعض المناطق نتيجة القصف. وعندما جاءنا التلاميذ النازحون مع أهلهم ضيوفاً إلى مناطقنا، فوجئنا بأن أعمارهم كبيرة، وقسم منهم لم يتلق أي تعليم".

وكانت لدينا مجموعة حلول من أجل هذا الأمر، منها الصفوف الداعمة. في مدارسنا صفوف خاصة بالقراءة العلاجية. نحن نطبق منهاج القراءة العلاجية مع التلاميذ الضعفاء والمقصرين، ولدينا 83 مدرسة تابعة لمديرية التربية والتعليم في حلب تعتمد برنامج القراءة العلاجية، وهو مخصص لهذه الفئة من التلاميذ تحديداً.



يتابع مصطفى: "إضافة إلى موضوع القراءة العلاجية، هناك التعليم التعويضي، ويشمل مراكز تستهدف هؤلاء التلاميذ، والتعليم فيها مسائي وغير رسمي، والمناهج مكثفة ومركزة، ويتولاها مدرسون متخصّصون. ويقدم التعليم التعويضي لهؤلاء التلاميذ بهدف تأهيلهم من أجل العودة إلى التعليم الرسمي". ويوضح: "إضافة إلى التعليم التعويضي، لدينا مجموعة من المدارس للفئة الداعمة أو تلاميذ الفئة ب، وهؤلاء يدخلون المدرسة ويبدأون الدراسة من البداية في شُعب خاصة بهم. وإذا كان عددهم قليلاً، يدرسون مع بقية التلاميذ، لكن يتم التركيز معهم على المهارات الأساسية. وحتى يلتحق هؤلاء بأقرانهم، يجتازون صفين في العام الدراسي الواحد".

وعن الظروف وانعكاساتها على قطاع التعليم، يقول مصطفى: "بالتأكيد، انعكست الظروف سلباً على القطاع التعليمي بصورة عامة، إلا أن دور المعلمين والمعلمات كان بطولياً، إذ بدأوا العمل بشكل تطوعي في المدارس على الرغم من انقطاع الدعم، ما انعكس على التلاميذ. لكن المشكلة أنه لا يمكن الاعتماد على العمل التطوعي لمدة طويلة، لأن المدرس في حاجة إلى تأمين قوت يومه لإعالة أسرته. لذلك، لا بد من تأمين تعويضات مناسبة للمعلمين، وتمويل للعملية التعليمية".

في طريقها إلى المدرسة (عامر الحموي/ فرانس برس) 


مدير المكتب الإعلامي في مديرية التربية والتعليم بإدلب، محمد حاج علي، عند سؤاله عن خطة مديرية التربية في إدلب لاستيعاب أطفال المخيمات قال: أطفال المخيمات، بسبب موجة النزوح الأخيرة التي تجاوزت 1.2 مليون نسمة، عاد منهم حوالي 40 ألفا إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي مع استمرار القصف والغارات الجوية، فالوضع سيئ للغاية، لذلك قامت مديرية التربية بإنشاء لجان طوارئ، ووضعت أسسا لكيفية استيعاب الطلاب وجمعهم في مدارس أو في مراكز تعليمية في أماكن نزوحهم.

من جهة أخرى، يوضح حاج علي لـ "العربي الجديد" أنه لا إمكانية لدى مديرية التربية لإنشاء مدارس متنقلة، أو إنشاء كرفانات في الأماكن الوعرة أو البعيدة عن تلك السكنية في المدن والقرى. لذلك، رفعت مديرية التربية حاجاتها استناداً إلى دراسات ممنهجة. وتتولى إحصاء عدد التلاميذ وأماكن تواجدهم في أماكن النزوح، وقد أنشئ مجمع كامل باسم مجمع أطمة والمخيمات، بسبب كثافة وجود النازحين في تلك المنطقة من ريف إدلب. ويتولى العمل فيه إداريون لمتابعة ومراقبة شؤون التلاميذ، بهدف إنشاء أكبر عدد من النقاط التعليمية، وإرشادهم إلى أماكن القرى القريبة، حتى لو تم العمل بنظام الفترتين، أي صباحاً ومساء، بهدف استيعاب جميع التلاميذ وحثهم على العودة إلى المدارس في تلك المناطق.

يضيف حاج علي: "حصلت مديرية التربية في إدلب على 50 خيمة تعليمية توزّع الآن بحسب الأكثر حاجة، في أماكن النزوح في مخيمات الشمال السوري". ورفعت مديرية التربية حاجتها لكثير من المنظمات، سواء أكانت محلية أو دولية أو أممية، بهدف إرجاع التلاميذ إلى مدارسهم وتفادي النقص في الكادر التعليمي، ونقص الدعم اللوجستي لهذا العام.

ويلفت حاج علي إلى أن مديرية التربية في إدلب، ومنذ بداية العام، تعمل على تكثيف المواد التعليمية العلمية، وقد خففت من المواد الترفيهية بشكل جزئي، في مقابل التركيز على تعليم التلاميذ اللغتين العربية والإنكليزية والرياضيات والجغرافيا والتاريخ في حال كان الوضع غير مستقر. أما في حال كان الوضع مستقراً، يعطى البرنامج بشكل كامل من دون التقليل من المواد. وفي الأوقات الصعبة، يعتمد نظام الطوارئ، الذي يركز على المواد العلمية والأدبية المهمة.



من جهته، يقول عمر أبو فادي (42 عاماً) الذي نزح من ريف إدلب الجنوبي ليقيم في تجمّع مخيمات أطمة، لـ "العربي الجديد": "لا يدرك الخطر إلا صاحبه. في العام الماضي، لم يتمكن الأطفال من الالتحاق بمدارسهم بشكل كامل، والمخيف أن كثيرين منهم بلغوا الثامنة أو التاسعة من العمر، وليس لديهم القدرة على القراءة بشكل جيد. كوالد لأربعة أطفال، أخاف على أولادي من الجهل والأمية. وعلى الرغم من صعوبة ما نعيشه في المخيمات، إلا أنني ووالدتهم نواصل تدريسهم. علينا تعويض كل ما ينقصهم، ونعمل مع المعلمين في المدارس بخط متواز لنتخلص من هذه الأزمة".

وبحسب إحصائيّات محليّة، فإنّ عدد المنشآت التعليمية التي دمرتها طائرات النظام وروسيا خلال الهجوم الأخير على ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي هي 116 مدرسة، علماً أن التهديدات تطاول نحو 360 ألف تلميذ، كون خطر التسرب من المدارس يحيط بهم بسبب الظروف الراهنة، وفي مقدمتها إيقاف الدعم الممنوح لمديريات تربية حلب وإدلب واللاذقية وحماه من قبل الجهات المانحة.