خطوة ليبية في الاتجاه الصحيح

08 ديسمبر 2015
+ الخط -
يعد الاتفاق الذي تم توقيعه في تونس، بين وفدي طرفي النزاع في ليبيا، المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق، حدثاً تاريخياً بشرط ألا يسقطه الرافضون له الذين تختلف حساباتهم ومصالحهم مع حسابات الوطن الليبي، ومصالح الشعب الذي يدفع ثمناً غالياً منذ حصل الانقسام، ودخل البلد في فتنة التقاتل والتقسيم.
من المتوقع أن ترتفع الأصوات المناهضة لاتفاق تونس، لأن الساحة الليبية ملغمة، بسبب تدخل أطراف خارجية وأخرى من الداخل، وجميعها مستفيد من الحرب الأهلية الدائرة منذ سنتين على الأقل، حيث لم تبق أسرة في ليبيا ليست في حالة حزن أو قلق. أصبحت ليبيا منقسمة أفقيا وعموديا، لا تكاد تهدأ هذه الجهة، حتى تنفجر الأوضاع في جهة أخرى. لكن، مع خطورة هذه الأطراف التي لن يكون لها موقع إذا سكتت المدافع، وانقطع أزيز الرصاص، فإن هذا الاتفاق الأخير يمكن أن يترك أثره الإيجابي على الليبيين، من زوايا متعددة :
أولاً: يتنزل هذا الاتفاق في ظرف خطير جداً، بعد أن تأكدت الأخبار الواردة من داخل ليبيا، والمتعلقة بتوسع تنظيم داعش الذي حول مدينة سرت إلى عاصمة إمارته، إلى جانب سيطرته على مدن وآبار نفط ومواقع استراتيجية عديدة. ولم يعد هناك عاقل ومتابع للشأن الليبي يمكنه أن يستهين بالخطر الذي أصبح يجسده هذا التنظيم، ليس فقط على بلدٍ مثل حجم ليبيا، ولكن أيضا على تونس، وعلى دول جنوب أوروبا وشمالها. ولهذا السبب، يكثر الحديث، هذه الأيام، عن قرب احتمال توجيه ضربات جوية على مواقع التنظيم داخل ليبيا من الحلف الأطلسي، وخصوصاً من دول أوروبية، وفي مقدمتها فرنسا.
ثانياً: وقّع على الاتفاق عوض عبد الصادق، النائب الأول لرئيس المؤتمر، وإبراهيم عميش، رئيس لجنة العدل والمصالحة الوطنية في برلمان طبرق. ويؤكد هذا الأمر وجود فريق لا يعرف حجمه داخل برلمان طبرق، يرفض الاستمرار في حالة التقاتل بين أبناء الوطن الواحد، ويريد أن يدفع في اتجاه التوافق والمصالحة. ويعتبر هذا المعطى الجديد اختراقاً مهماً لفائدة التوجه نحو السلام والوحدة، إلى جانب أنه محاولة جادة في اتجاه إضعاف التيار المراهن على تفكك البلد، عبر تصعيد الحرب الداخلية، فالمعطيات التي بدأت تتوفر تدريجياً تدل على أن الوفد الذي وقع على الاتفاق قرّر أن يتحمل مسؤولياته كاملة، وأن يضع الجميع أمام الأمر المقضي الذي رأى فيه مصلحة الشعب الليبي. وكل من سيعمل على إسقاط هذا الاتفاق سيجد نفسها مسؤولاً عن أي قطرة دم ليبي تنزف، ومسؤول، أيضاً، عن أي قطعة أرض تقضمها التنظيمات المتشددة.
ثالثاً: حصل تفاعل إيجابي واسع النطاق مع إعلان جزء هام من الليبيين، أفراداً ومنظمات وأحزاباً. ويعتبر الدعم الشعبي لأي اتفاق سياسي المحك الحقيقي لقياس الشرعية، وتحسس القضايا الماسة مباشرة بالمصلحة الوطنية. إذ يقف كل طرف أمام رغبة الجماهير وتطلعاتها إنما يحاول أن يقف في وجه حركة التاريخ. قد يربح بشكل مؤقت، وينجح ظرفياً في عرقلة أي خطوة في الاتجاه الصحيح. لكن، سرعان ما يضطر إلى التراجع أو الانكسار، بعد أن تفرض الجماهير إرادتها على الجميع.
لا يعني أن الملف الليبي سيغلق قريباً، لأن العوائق لا تزال كثيرة ومعقدة. لكن، من المؤكد أن ما حصل في تونس لا يمكن أن يجهض بسرعة، فهو خطوة مهمة لا مفر من العمل على دعمها بخطوات أخرى، أكثر جرأة، مهما كان حجم ضغوط المتضررين منها. وعلى الأمم المتحدة أن تدعم ما حصل في تونس، وأن تؤسس عليه، فليبيا لم تعد تتحمل كلفة الحرب الأهلية وحالة الانقسام، كما أن تونس لم تعد قادرة على أن يبقى مستقبلها السياسي مرهوناً بيد التنظيمات المتشددة التي حولت جزءاً من الأراضي الليبية مطبخاً للتآمر عليها، وتهديد أمنها واستقرارها.