خطوات تشريعية للإسراع بالتخلي عن أصول مصر

25 يوليو 2020
فرّغت التعديلات إجراءات تقييم الأملاك من الشفافية (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

في زحام موافقة مجلس النواب المصري على تفويض رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي التدخل العسكري في ليبيا "حماية للأمن القومي من الجهة الغربية"، وتكبد الأمن القومي خسارة فادحة من الجهة الجنوبية بإعلان إثيوبيا إتمام الملء الأول لسد النهضة، مرر النظام المصري عدداً من مشاريع القوانين، بعد الموافقة البرلمانية عليها، تمهيداً لإصدارها، تعكس نواياه إزاء ملف التصرف في أملاك الدولة وأصولها العقارية، وتتكامل سوياً لترسم صورة قاتمة تمهد لعملية بيع ممنهجة لتلك الأصول، من دون حسيب أو رقيب.
فبالتوازي مع المشروع الذي سينقل الأصول العقارية لشركات قطاع الأعمال العام إلى صندوق مصر السيادي، والذي سلطت عليه "العربي الجديد" الضوء أول من أمس، أدخل النظام تعديلات جديدة على قانون التعاقدات الحكومية الموحد، الذي طبق بشكله الحالي لأقل من عامين، تفرغ إجراءات تقييم وبيع أملاك الدولة من الشفافية والقواعد المعيارية التي سبق وضعها، لضمان سرعة التصرف في أملاك الدولة، والتخفف من القيود أياً كانت درجتها.

لا يحدد النص القانوني الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية التي تستدعي الإسراع في التعاقد

 

واللافت أن الحكومة ومجلس النواب عندما أعلنا عن إدخال تلك التعديلات، تم التركيز فقط على جزء واحد منها، هو الخاص بـ"ردع المتهربين من أداء الضرائب والرسوم الجمركية"، بحيث يُمنع على الجهات الإدارية الخاضعة لأحكام القانون التعامل مع من صدر بحقه حكم نهائي في إحدى هذه الجرائم، سواء بشخصه أو بصفته الممثل القانوني لأي من الأشخاص الاعتبارية التي ترغب في التعامل مع الجهة الإدارية، وذلك ما لم يُرد له اعتباره.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

أما التعديل المهم الذي يفتح باب التخلص السريع من أصول الدولة، فيتمثل في إضافة مادة جديدة للقانون، تخرج بالاستثناء عن جميع أحكامه، وتجيز للجهات الإدارية، بموافقة الوزير أو المحافظ المختص، تقييم الأصول العقارية المملوكة لها، بمعرفة ثلاثة مقيمين عقاريين من المقيدين بالهيئة العامة للرقابة المالية، أو المعتمدين لدى البنك المركزي، ويعد متوسط هذه التقييمات الثلاثة هو القيمة المرجحة لهذه الأصول. وبذلك يعطل النص الجديد المادة 15 التي كانت تلزم الوزير، أو المحافظ، عند رغبته في تقييم العملية أو العقار محل التعاقد، سواء بالبيع أو الإيجار أو منح حق الانتفاع، تشكيل لجنة من الخبرات النوعية اللازمة، تعمل على تحديد القيمة التقديرية أو الثمن الأساسي للعملية من خلال دراسة السوق والتعاقدات السابقة لنفس الجهة وغيرها من الجهات، وذلك كله قبل البدء في اتخاذ إجراءات الطرح.
ورغم أن تشكيل مثل تلك اللجان أمر يدخل في صميم السلطة التقديرية للوزير، أو المحافظ المختص، إلا أن النظام يطمع في المزيد من التسهيلات، ليس فقط على مستوى الإجراءات بل أيضاً على مستوى تحديد الحالات التي تستدعي اتباع تلك التسهيلات. فالنص الجديد يسمح بذلك "في الحالات التي تحقق للجهة أهدافها الاقتصادية أو التنموية، أو التي تستلزم الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية سرعة إتمامها في توقيت معين، أو المرتبطة بسياسات الدولة الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية المعلنة من مجلس الوزراء، وفي غير ذلك من الحالات التي يقدرها الوزير أو المحافظ المختص".

يمهد النص الجديد الطريق لإرساء الطروحات على جهات ولأغراض بعينها

ويحول هذا النص الاستثناء إلى قاعدة واقعية، يمكن أن تتحول في ظلها النصوص القديمة بالقانون إلى الاستثناء. فالنص لا يُعرف ماهية الأهداف الاقتصادية والتنموية، كما لا يحدد الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية التي تستدعي الإسراع في التعاقد. أما العبارة الأخيرة في النص فتمنح المسؤولين سلطة تقديرية واسعة لاتخاذ تلك التسهيلات. ويمضي النص في اتخاذ تدابير تضمن بإلحاح سرعة التصرف في الأصول المملوكة للدولة. ففي حالة التقييم السريع من الخبراء الثلاثة المختارين، وإذا تبين أن نسبة التفاوت بين التقييم الأقل والتقييم الأعلى من تلك التقييمات تجاوز 20 في المائة، فتلتزم الجهة الحكومية بإسناد تقييم الأصول ذاتها إلى مُقيم رابع، خلال أسبوعين فقط من تاريخ استلام الجهة الإدارية لتقارير المُقيمين. وفي هذه الحالة يؤخذ بمتوسط التقييمات الأربعة كقيمة مرجحة، ما لم يكن التقييم الرابع أقل من متوسط التقييمات الثلاثة الأولى، كما يكون اعتماد القيمة المرجحة للتقييم من الوزير أو المحافظ المختص دون غيره.
وبدلاً من أن تحدد الجهة الإدارية المعايير الحاكمة للتقييم قبل البدء في إجراءات الطرح، يمهد النص الجديد الطريق لإرساء الطروحات على جهات ولأغراض بعينها. فبشكل عام غير محدد أيضاً تُلزم الجهة الإدارية بأن يكون "وضع التقييم، وفقاً للاعتبارات والمحددات والاشتراطات الحاكمة للتقييم التي تضعها الجهة الإدارية مسبقاً، وبما لا يتعارض مع المعايير المصرية للتقييم العقاري الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة المالية"، فضلاً عن ترك تحديد قواعد وإجراءات اختيار المُقيمين العقاريين المنصوص عليهم لإتمام عملية التقييم للائحة تنفيذية تصدر لاحقاً. ويخلو النص الجديد من تنظيم أي وسيلة للرقابة أو المحاسبة، بل يجعل الوزير أو المحافظ صاحب السلطة النهائية، فهو من يختار المقيمين ويقيّم الحالات التي تستدعي ذلك، وهو من يحدد التقييم النهائي، ويقرر ما إذا كان الأمر يستدعي مزيداً من البحث.
ولا يدور قانون التعاقدات الحكومية محل هذا التعديل في الفراغ، فهو متكامل بشكل مباشر مع قانون الصندوق السيادي، بما يتيح للنظام سرعة التصرف عبر النصوص الجديدة - تحت غطاء قانوني- في الأصول المملوكة للدولة، سواء بنقلها لحيز ملكية الصندوق السيادي، ومن ثم التصرف فيها لحسابه، أو بالتصرف فيها مباشرة للمستثمرين، من الأشخاص أو الشركات.
ويتضمن قانون التعاقدات الحكومية محل التعديل، والذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ودخل حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، مزايا كبيرة لكل من وزارات الدفاع والإنتاج الحربي والداخلية، وأجهزتها جميعاً، في "حالات الضرورة التي يقتضيها الأمن القومي" في التعاقد بطريقة المناقصة المحدودة، أو المناقصة على مرحلتين، أو الممارسة المحدودة، أو الاتفاق المباشر. ويعتبر هذا النص تكريساً وتقنيناً لوضع غير دستوري قائم على التمييز الإيجابي لتلك الوزارات وأجهزتها على باقي الوزارات والشركات، وخصوصاً أن تعبير "الأمن القومي" يبلغ من الاتساع ما يُمكن كل وزارة من تفسيره كما تشاء، ما يضمن لها أن تُدرج تحته كل تعاقداتها. علماً أن المشروع يضمن "سرية استثنائية" لخطط البيع والشراء المندرجة تحت اعتبار "الأمن القومي"، بعدم نشر أي معلومات عنها على بوابة الخدمات الحكومية الإلكترونية.
وبسبب تضمن هذا القانون مواد تسمح للمرة الأولى بتعاقد جميع الهيئات والإدارات الحكومية مع بعضها بعضا، بالأمر المباشر، دون اتباع المناقصات أو المزايدات، أو حتى الممارسات المحدودة، فإن هذا يتيح أفضلية استثنائية لأجهزة الجيش والمخابرات والرقابة التي تمارس أنشطة هندسية وتجارية، للسيطرة على الشركات والمشاريع الحكومية المختلفة، من دون منافسة من رجال الأعمال والشركات المحلية والأجنبية. وسيتيح هذا الأمر عقد شراكات جديدة بين الأجهزة التابعة لتلك الجهات النظامية، مع إمكانية نقل مسؤولية المشاريع القومية المتعثرة، أو المهملة، أو حتى الناجحة، إلى هذه الشراكات الجديدة، من خلال عمل اللجان الرئاسية المكلفة بمتابعة هذه الملفات، والاستفادة من المادة 19 من قانون الصندوق السيادي التي تنص على إعفاء المعاملات البينية للصندوق، والكيانات المملوكة له، من الضرائب والرسوم، باستثناء توزيع الأرباح.
يذكر أن قانون الصندوق السيادي، عند إصداره في عام 2018، كان يقتصر في تعامله على إعطاء الحق لرئيس الجمهورية، بناء على عرض رئيس الوزراء والوزير المختص، نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة أو المستغلة، شريطة الاتفاق مع وزير المالية والوزير المختص، المملوكة للدولة أو للجهات التابعة لها، إلى الصندوق، ما يفتح الباب بشكل تلقائي لخصخصة آلاف الكيانات الحكومية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية
المساهمون