خطف بالشمال السوري

03 يناير 2019
كلّ واحد منهم مشروع "خرج ولم يعد" (جم غنجو/الأناضول)
+ الخط -

يردّد أهالي شمال سورية، خصوصاً إدلب، عبارة "خرج ولم يعد". فكثيرون هم الأشخاص الذين تنقطع أخبارهم في أثناء انتقالهم من مكان إلى آخر، ليُكتشف في وقت لاحق أنّهم إمّا خُطفوا من أجل فدية وإمّا قُتلوا، في حين يبقى مصير عدد كبير مجهولاً، الأمر الذي يجعل السوريين هناك يعيشون وسط خوف مستمرّ.

أبو عبد الله قاسم من هؤلاء الذين عانوا من جرّاء ذلك. يخبر "العربي الجديد": "عشت تجربة مريرة مع الخطف، إذ إنّ أخي خُطف في بداية العام المنصرم (2018) وهو آتٍ لزيارتي من الريف الشمالي". يضيف أنّه "في آخر اتصال معه، كان يحتاج إلى أقلّ من ساعة ليصل إلينا، لكنّه تأخّر عن موعده. فحاولت الاتصال به مرّات عدّة. في البداية، لم يجب، ثمّ صار هاتفه خارج الخدمة. شعرت بأنّ شراً أصابه، ورحت أتواصل مع بعض معارفي في الفصائل المسلحة. لكن لا حياة لمن تنادي". يتابع قاسم أنّه "بعد يومَين، وصلتني صورة لشقيقي الذي يبلغ من العمر نحو 60 عاماً، وقد ظهرت عليه آثار التعذيب واضحة بينما كُتب في أسفل تلك الصور: اشتروا حياته بـ 100 ألف دولار (أميركي). وهذا ما كنت أخشاه، إذ إنّه لا يوجد شيء أصعب من الإحساس بالعجز. فنحن عائلة فقيرة، بالكاد نؤمّن قوت يومنا". لم يترك قاسم أحداً من معارفه إلا وطلب مساعدته، مشيراً إلى أنّ "الخاطفين أيقنوا بعد مفاوضات أنّنا فقراء وأنّنا لا نستطيع تأمين المبلغ كاملاً بأيّ شكل من الأشكال. فقبلوا بإطلاق سراحه في مقابل 25 ألف دولار".

من جهته، يقول محمد حميد (32 عاماً)، وهو مهجّر من دير الزور إلى شمال سورية، إنّه تعرّض إلى "محاولة خطف مرّتَين، الأولى في خلال عام 2017 عند أطراف مدينة إدلب والثانية في عام 2018 المنصرم في ريف حماة الجنوبي". ويؤكداً لـ"العربي الجديد": "نجوت بأعجوبة في المرّتَين"، مضيفاً أنّ "الأمر صار يقلقني بصورة دائمة، خصوصاً أنّني أعمل في مجال توزيع البضائع". ويتابع حميد: "بالتالي، لم أعد أتنقّل إلا في خلال النهار وعلى الطرقات التي يقصدها الناس عادة، ومع مرافق مسلح"، مشيراً إلى أنّه صار هو يحمل السلاح كذلك "فلا أحد يعلم ما يمكن أن يحدث".




في السياق، يقول الناشط أيهم العمر، وهو مهجّر من جنوب دمشق إلى الشمال السوري، إنّ "مسألة الخطف والمفقودين ليست جديدة على المنطقة وهي مستمرّة. ثمّة عصابات مجهولة تستغلّ المسافات بين البلدات والمدن لتقطع الطرقات، فيتعرّض المسافر بالتالي إلى السلب أو الخطف بقوّة السلاح". ويلفت العمر لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "حركة الناس بين المناطق قليلة جداً من جرّاء الخوف من تلك العصابات"، موضحاً أنّ "نسب الخطف تختلف بين منطقة وأخرى، وهي الأعلى في إدلب وريفها. كذلك فإنّ المهجّرين عرضة للخطف بنسب أكبر من أهل المنطقة".

أمّا الناشط يعرب الدالي، فيشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أيّ حوادث خطف أو قتل أو تفجيرات لم تُسجَّل في مدينة مارع (شمالي محافظة حلب) حيث لا توجد أيّ فصائل مسلحة، الأمر الذي جعلها مثلاً يُضرب في الشمال السوري". ويوضح أنّ "الحواجز المحيطة بمارع تمنع دخول أيّ شخص يحمل سلاحاً إليها، في حين يُمنَع تحرّك أيّ سيارة تحمل رشاشاً في أيّ من شوارع المدينة. والمعنيون بشؤونها يتابعون السلوك العام، الأمر الذي تحتاج إليه مناطق عدّة لتحقّق الانضباط فيها". يضيف الدالي: "أمّا في مناطق أخرى، فالأمر معكوس في ظل وجود خليط غير منضبط وغياب جسم واحد يجمع الجهات المختلفة، ما يؤدّي إلى فوضى".

بالنسبة إلى الناشط مصطفى رجب، فإنّ "مسألة الخطف في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام السوري سيئة للغاية، ما يشكّل قلقاً كبيراً للتجار والمثقفين والعاملين في منظمات المجتمع المدني". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "السبب يعود إلى عدم التنسيق الأمني بين الفصائل وغياب جهة محددة تضبط الأمن"، مؤكداً أنّ "عمليات الخطف تسبّب قلقاً كبيراً للمجتمع". ويوضح أنّ "أصحاب رؤساء الأموال لا يجرؤون على العمل والمثقفون يخشون على أنفسهم، فيهاجرون". ويذكر رجب أنّ "الهدف من معظم عمليّات الخطف هو طلب فدية، والمبالغ تكون كبيرة في العادة، وقد تصل إلى نحو 200 ألف دولار"، مشيراً إلى أنّ "صاحب مقلع حجر خُطف أخيراً وقد أرسل خاطفوه تسجيل فيديو يظهر تعرّضه لتعذيب شديد بينما يتوسّل هو عائلته أن تبيع كل ما تملك لتسديد الفدية فيتخلّص من عذابه".




يتابع رجب أنّ "ثمّة تحرّكات مجتمعية تُنظّم لمواجهة عمليات الخطف، فتجد خطباء الجوامع يدعون إلى وقفها وتحريمها ويحثّون الناس على التعاون مع العناصر الأمنية للحد منها. أمّا الفصائل، فهي متّهمة بالتقصير، في ظل غياب التنسيق في ما بينها. على سبيل المثال، فإنّ الخاطف قد ينفّذ عملية الخطف في منطقة تحت سيطرة فصيل معيّن بينما يقيم في أخرى حيث يسيطر فصيل آخر، الأمر الذي يحول دون تتبّعه. كذلك قد يكون الأشخاص المتّهمون بالخطف محميّين أو مقرّبين من فصيل ما، فيحول ذلك دون مساءلتهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ ملف الخطف والمفقودين لا ينحصر بمناطق سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا أو الفصائل الإسلامية المتشددة فحسب، بل يُعَدّ مقلقاً في المناطق التي يسيطر عليها النظام كذلك.