يبدو أن انفصال جنوب السودان عن السودان لم يكن سوى فاتحة لمطالبات انفصالية أخرى من أقاليم عدة، وأبرزها إقليم دارفور. وهو ما جعل رئيس "حركة تحرير السودان" الدارفورية، مينّي أركو ميناوي، ينشر على صفحته على موقع "فيسبوك"، عبارة جاء فيها "يتحدثون عن الوحدة، وهم يعلمون أنه غداً تحلّ ساعة الانفصال".
ولم تقف مطالبة ميناوي عند حدود العالم الافتراضي، بل جاهر بطلبه علناً، معتبراً أنه "ينوي طرح حق تقرير المصير لإقليم دارفور، من ضمن القضايا السياسية، في أية مفاوضات لاحقة مع الحكومة في الخرطوم". واعتبر ميناوي أن "النظام الحاكم في السودان يدفعنا في اتجاه اتخاذ هذا الموقف، على الرغم من مخاطره، بسبب ممارساته الاستفزازية ضد أبناء دارفور، بفعل تزايد عمليات القتل والتشريد التي تتم في الإقليم، فضلاً عن التعامل العنصري مع أبناء دارفور في العاصمة". وأكد ميناوي، أنه "في حال لم تشهد الفترة المقبلة حكومة انتقالية خاصة، فإن البلاد ستتجه إلى التفتيت".
وتُمثّل تصريحات ميناوي، أول إعلان رسمي صراحة لقادة التمرد الدارفوريين، على الرغم من أنه سبق لـ "حركة تحرير السودان" ـ فصيل عبد الواحد محمد نور، أن شدّدت في العام 2009، على ضرورة تحديد مستقبل إقليم دارفور. كما طرحت "حركة العدل والمساواة"، حقّ تقرير المصير في العام 2010، عبر تصريح رسمي نُسب لناطقها الرسمي أحمد حسين في حينه.
لكن حكومة الخرطوم قللت من أهمية إعلان ميناوي، واعتبرتها "فرقعة إعلامية بعد الهزائم التي لحقت بالحركات في إقليم دارفور". واستبعدت تماماً "إمكانية فصل إقليم دارفور، أسوة بجنوب السودان، لغياب العوامل التي توفرت للجنوب والتي لا تتوفر لدارفور، بحكم التكوين العرقي والثقافي والديني واللغوي للسكان". ورأى أمين مكتب "سلام دارفور"، أمين حسن عمر، أن "لا قيمة لحديث ميناوي، لأنه قصد منه الإثارة فقط".
ويرى مراقبون، أن "العوامل التاريخية التي قادت جنوب السودان نحو الانفصال، تتوافر في دارفور، لأن وضع الإقليم يشبه وضع الجنوب، الذي بدأ مساره الانفصالي عبر المطالبة بوضع فدرالي، عارضته حكومات الشمال، وواجهته بالعنف، الذي أدى في النهاية إلى الانفصال". ويقول المحلل السياسي محجوب محمد لـ "العربي الجديد"، إن "أي أزمة داخلية، تتداخل فيها عوامل عرقية، معطوف على شعور بالتهميش، يُمكن أن تتطور إلى مطالبات بالانفصال". ويوضح "قبل إعلان ميناوي لدعوى تقرير المصير، بدأت تظهر معالم تحوّلات لدى البعض، شرّعت الأبواب أمام طرح فكرة الانفصال".
ويضيف "لم تعد أزمة دارفور متعلقة بالمركز فقط، على الرغم من التهميش والعنصرية، كون الصراعات القبلية بدأت تمزق المجتمع الدارفوري، وهي أخطر من دعاوى الانفصال، لأن لا معنى للمجتمع الدارفوري في مثل هذه الصراعات، لا بل بات مهددا بالتفتت في حالتي الوحدة والانفصال". وشدد على ضرورة أن "تعي الدولة جلياً الدرس في جنوب السودان، وأن يعوا أهل دارفور وقادتها أيضاً، الدرس الجنوبي، باعتبار أن الجنوب انفصل، لكن الصراع الداخلي هدده بقوة". وأكد محمد أن "قضية دارفور تتطلب من النظام حلول سياسية بقرارات صعبة، تُعيد للإقليم صلته الجيدة بالمركز ودفاعه عن الوحدة الوطنية، فضلاً عن ضرورة سعي المجتمع الدارفوري على وضع حدٍّ للاقتتال القبلي".
اقرأ أيضاً: عندما كانت الإدارة الأهلية تحكم في السودان
يُذكر أنه في العام 2005، طرح وزير المالية السابق، القيادي في حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم عبد الرحيم حمدي، ورقة اقتصادية في أحد مؤتمرات الحزب، ركّزت التنمية في مثلث معيّن، استُبعد عنه جنوب السودان وشرقه وجزء من غربه، بينهم إقليم دارفور. وتركّز المثلث في دنقلا سنار وكردفان، وعُرف وقتها بـ "مثلث حمدي"، الذي تعرّض لانتقادات لاذعة من شريحة واسعة من السودانيين في حينه.
واعتُبر طرح حمدي، مؤشراً للعنصرية، ويساهم في تفتيت وحدة البلاد، ويشعل نيران الفتنة والقبلية. وما زال الجدل بشأن المثلث سارياً حتى اليوم. وينظر البعض إليه كاستراتيجية ينتهجها نظام الخرطوم، لا سيما بعد تحقق الفصل الأول من المثلث، وهو انفصال الجنوب، ويرون أن دارفور ستكون الخطوة الثانية، في ظلّ ارتفاع وتيرة العنصرية وتعامل الأجهزة الأمنية مع أبناء الإقليم بفظاظة، خصوصاً في الفترة الأخيرة.
مع العلم أنه قبل انفصال جنوب السودان في العام 2011، نشر "المركز السوداني للخدمات الصحافية" (تابع للأمن)، خبراً كشف فيه عن مخطط لدعم الحركات المسلحة الدارفورية، بهدف فصل الإقليم وتكوين دولته المستقلّة أسوة بجنوب السودان.
وكان زعيم حزب "الأمة" المعارض الصادق المهدي، قد ذكر في حديث سابق مع "العربي الجديد"، أن "هناك استراتيجية إسرائيلية عدائية ضد السودان، كاشفة عن نيتها في تقسيمه إلى خمس دويلات، وتُساهم السياسات التي ينتهجها الحزب الحاكم في الخرطوم في ذلك عبر تفتيت وحدة البلاد".
وعلى الرغم من ذلك، يستبعد محللون عدة أن "تجد أية دعاوى للانفصال في الوقت الراهن، استجابة لدى مواطني دارفور، الذين انتشروا في أصقاع البلاد، وباتت تُحتّم عليهم مصالحهم المحافظة على الوحدة". ويرى الخبير في ملف دارفور أبو بكر رازق، أنه "من العسير أن تجد مطالبة تقرير المصير، طريقها إلى شريحة واسعة من الدارفوريين في فترة زمنية محدودة، لأنه يتطلب ذلك عشرات السنين، لتتشكّل حوله القناعات". وأعاد السبب في ذلك إلى "الثقافة والدين واللغة والانتشار الواسع لأبناء دارفور في العمق السوداني، والتغييرات الديمغرافية التي أحدثتها حرب دارفور، والتي قادت كثيرين إلى هجرة مناطقهم التاريخية".
كما ناقشت ندوة عقدت أخيراً في هولندا، ونظّمها "مركز الدراسات الأفريقية"، في جامعة لايدن الهولندية، بعنوان "نعم لحقّ تقرير مصير دارفور"، تناول خلالها القيادي في "حركة تحرير السودان" نزار فرساي، قضية انفصال دارفور باعتباره "مطلباً لـ70 في المائة من أبناء الإقليم".
وأكد أن "الأسباب التي قادت الجنوب للانفصال، ستقود دارفور لانفصال مماثل، فيما يتصل بفرض الثقافة الأحادية (في إشارة للثقافة العربية التي يلتزم بها الشمال)، وغياب التنمية المتوازنة والفشل في إدارة التنوّع الثقافي والديني والعرقي".
ويكشف "كل ذلك جعلنا نفكر في الانفصال، كحقّ تكفله كافة الدساتير، خصوصاً أن دارفور آخر جزء انضم للسودان في العام 1916، ولم يُستشر سكانه في ذلك". وأضاف "ضمّ دارفور قرار باطل ويجب تصحيحه، وعلى المجتمع الدولي تقبّل حق تقرير مصير شعب دارفور".
اقرأ أيضاً: مجلس الأمن يستعد لفرض عقوبات على المتنازعين بجنوب السودان