خطر الإرهاب يعمّ أوروبا: اعتقالات وحملات استباقيّة

17 يناير 2015
بلجيكا قد تلجأ للجيش لتعزيز أمنها (فرانس برس)
+ الخط -

عاشت القارة الأوروبية أجواء حرب حقيقية، أمس الجمعة، بعدما انتقلت حالة الاستنفار والمداهمات الأمنية والاعتقالات إلى كل من بلجيكا وألمانيا والنمسا، تخللها إعلان بلجيكي عن إحباط اعتداء كان مرتقباً "خلال ساعات"، تزامناً مع رفع درجة التأهب والإعلان عن أنه يمكن اللجوء إلى الجيش لتعزيز الأمن في البلاد. أما فرنسا، فحبست أنفاسها أمس، من جديد، خوفاً من تكرار سيناريو جريمة "شارلي إيبدو"، بعد احتجاز مسلح لرهينتين في مركز بريد كولومب، قرب باريس، تبيّن لاحقاً أن الحادث لا علاقة له بالأحداث الإرهابية. 

بلجيكا تحبط اعتداءً

عملية "شارلي إيبدو" أطلقت جرس الإنذار في بلجيكا، لتتحرك السلطات الأمنية في عملية مكافحة إرهاب واسعة النطاق، بدأت الخميس وأسفرت عن توقيف 15 شخصاً، اثنان منهم في فرنسا، في سياق تفكيك خلية كانت تستعد لاعتداءات تهدف الى "قتل شرطيين"، كما أعلنت النيابة العامة الفيدرالية في بلجيكا. وكشف ممثل النائب العام، تييري فيرتس، أن "المجموعة كانت على وشك تنفيذ اعتداءات إرهابية، وخصوصاً قتل عناصر من الشرطة في الشارع وفي مراكز الشرطة"، مشيراً إلى أن "المسألة كانت تتعلق بساعات ربما، أو بضعة أيام كحد أقصى".

وقُتل في وقت سابق شخصان يُشتبه في أنهما جهاديان في تبادل لإطلاق النار في فيرفييه، شرقي البلاد. وجرت 12 مداهمة، تم فيها "القبض على" 13 شخصاً، بحسب فيرتس.

الخطر الإرهابي دفع رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشال، للإعلان أن الحكومة يمكن أن تلجأ الى الجيش لتعزيز الأمن في البلاد، وذلك إثر اجتماع للحكومة جرى خلاله تبني 12 إجراءً لتحسين مكافحة الإرهاب، بينها تخصيص أماكن في السجن "لعزل" المعتقلين المتطرفين.

وتُعدّ العملية الأمنية في بلجيكا، أكبر عملية مكافحة إرهاب تشهدها البلاد أخيراً، وهي عكست ارتياحاً بسيطاً بعد تجنّب خطر داهم كان يهدد البلاد. وتعيش بلجيكا قلقاً متزايداً بعد الهجوم على "شارلي إيبدو"، خصوصاً أن العديد من مواطنيها توجّهوا للقتال في سورية والعراق، ويشكلون قلقاً كبيراً لدى السلطات البلجيكية من عودتهم.

وتعتبر هذه السلطات منطقة فيرفييه خزّاناً كبيراً لهؤلاء الجهاديين العائدين من الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، كتبت الصحافية، بياتريس ديلفو، افتتاحية في صحيفة "لوسوار" البلجيكية، رأت فيها أن تعدد التدخّلات الأمنية في العديد من المناطق، أثبت أن أراضي بلجيكا كلها تواجه احتمال الاعتداء، وفي كل لحظة يمكن للجهاديين أن ينتقلوا للحركة.

مداهمات استباقيّة
لكن التأهب الأمني لم يقتصر على بلجيكا، بل انتقل إلى ألمانيا، حيث اعتقلت الشرطة، أمس الجمعة، رجلين خلال مداهمة 12 منزلاً ومجموعة لها صلة بسلفيين. وقالت الشرطة الألمانية إنها اعتقلت الرجلين بعد تحقيقات استمرت أشهراً بشأن خمسة مواطنين أتراك تراوح أعمارهم بين 31 و44 عاماً يُشتبه في "تخطيطهم لعمل عنيف خطير ضد الدولة في سورية"، فضلاً عن غسل أموال. وشارك نحو 250 شرطياً في المداهمة التي جرت في برلين. وقالت الشرطة إنه ليس هناك ما يشير الى أن المجموعة كانت تخطط لشن هجمات داخل ألمانيا.

وفي النمسا أيضاً، أعلن متحدث باسم الشرطة، أمس الجمعة، عن اعتقال فتى في الرابعة عشرة من عمره، للمرة الثانية، للاشتباه في انتمائه إلى منظمة إرهابية والتخطيط للسفر إلى سورية والبحث لمعرفة كيفية صناعة العبوات الناسفة. واعتُقل الحدث في أكتوبر/ تشرين الأول، لكن أخلي سبيله بعد أيام. وجددت السلطات أمر توقيفه بعد أن أبلغت والدته عن اختفائه هذا الأسبوع. وذكرت وزارة الداخلية أن نحو 170 شخصاً غادروا النمسا للقتال في صفوف الجهاديين في الشرق الأوسط وأن بعضهم قُتل.

ضعف إمكانيات المواجهة

وكان المنسّق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، البلجيكي جيل دي كيرشوف، قد أعلن قبل بضعة أيام، أن التهديدات الإرهابية تظلّ حقيقية، وأن التنافس بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" يعزز من هذا الاحتمال.

وكشف هذا المسؤول الأمني ضعف الإمكانات في مواجهة العمليات الإرهابية والحدّ منها، قائلاً إنه "لا يمكن منع اعتداء جديد، ولكن يمكن أن نحاول قدر المستطاع ألا تحدث، من دون الدخول في مجتمع توتاليتاري، فالسجون حاضنةٌ للراديكالية الواسعة".

وإذا كان وزير الداخلية الفرنسي، برنارد كازنوف، قد استعرض أخيراً قائمة الإجراءات التي سيتم تنفيذها بعد اعتداء باريس، ومنها مراقبة معمّقة لبعض المسافرين، وإرساء سجل أوروبي للمعطيات الشخصية للمسافرين عن طريق الجوّ، وتقاسُم معلومات أجهزة الاستخبارات، ومكافحة المتاجرة بالسلاح، ومراقبة الإنترنت لمكافحة التطرف، فإن دي كيرشوف يقول إنها ليست أفكاراً جديدة لأنه سبق له أن عرضها عام 2008، وفق استراتيجية من أجل مكافحة التطرف. ولكنّ الدول الأوروبية لم تنجح في التوافُق عليها. وربما ستدفع اعتداءات باريس الأوروبيين إلى تعزيز تعاونهم من أجل تدارك اعتداءات جديدة.

واعترف دي كيرشوف أنه من أجل تتبّع متهمٍ ما، 24 ساعة على 24 ساعة، فإن هذا الأمر يتطلّب تجنيد ما بين 20 و30 شخصاً، وهو ما يفترض توفر وسائل مالية مهمة تقول الحكومات الأوروبية إنها غير متوفرة لديها.

مسلمو بلجيكا قلقون

وفي هذا الوقت الدقيق الذي تمر به أوروبا، تعيش الجالية الإسلامية في بلجيكا، ظروفاً صعبة، لأن بعض أفرادها المغرر بهم يرتكبون أعمالاً فظيعة باسم الدين، ويهددون العيش المشترك بين المسلمين وغيرهم من الطوائف الأخرى.

وقررت السلطات البلجيكية، أمس، وبعد تلكؤ طويل، إنشاء "معهد تكوين الكوادر الإسلامية"، وهو ما ترى فيه الحكومة الفيدرالية "خطة لمكافحة التطرف والراديكالية"، ضمن "العيش المشترك" في كل الميادين، من تعليم وثقافة ومساعدة للشباب والتساوي في الحظوظ. وترى الحكومة في هذا القرار "خطة عمل شاملة" من أجل "شبكة مكافحة الراديكالية".

لسنا "كلنا شارلي"

في فرنسا، بدأت الصحافة تنتبه أخيراً، إلى وجود شريحة واسعة من الفرنسيين، الذين دانوا الهجوم على "شارلي إيبدو"، ولكنهم لا يشاركون باقي الفرنسيين الإحساس بأنهم "كلهم شارلي".

وفي هذا الصدد، كرّست صحيفة "لوموند"، أمس الجمعة، ملفّها المركزي لهذا الموضوع، متحدثة عن العديد من الفرنسيين الذين شاركوا في التظاهرة الكبرى، الأحد الماضي، والذين لم يكونوا يشعرون بأنهم "شارلي".

وتناولت الصحيفة أيضاً موضوع العلمانيين المتطرفين من رجال التعليم الذين أشهروا الرسوم الكاريكاتورية أمام تلاميذهم وطلبتهم، وهو ما اعتبره الكثيرون انتهاكاً لحيادية الجسم التعليمي، ورأت فيه "لوموند" رفضاً من بعض التلاميذ لما يُقال إنه "إجماع" فرنسي.

كما أن الضواحي التي تعجّ بالفرنسيين من أصول عربية إسلامية، والذين لم يتظاهروا، يوم الأحد، يُعبّرون عن عدم تفهمهم لنشر الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد.

وناقشت افتتاحية "لوموند" كذلك الحَرَج الذي تواجهه حرية التعبير في فرنسا، بعد خفوت الانفعال والتأثر الذي سببه الاعتداء على "شارلي إيبدو".

وأشارت الصحيفة إلى اشتعال النقاش في الشبكات الاجتماعية وفي الثانويات، حول تبرير الحق في السخرية من الأديان وليس من اليهود، ولماذا يتمّ التلويح بـ"شارلي إيبدو" كراية للحرية، ولماذا في الوقت نفسه، تتم ملاحقة الفكاهي ديودوني حين يسخر من اليهود؟ باختصار، يوجد كَيْلٌ بمكيالَيْن. ولا تجد الصحيفة مِن ردّ على هذا التناقض سوى القول إن القانون الجمهوري هو الذي يضع حدوداً لحرية التعبير، وليس القانون الديني.

المساهمون