خطر أجهزة الاستقبال

29 يونيو 2015

باقة ورد لضحايا العمليات الارهابية في تونس (28 يونيو/2015/Getty)

+ الخط -
لم يعد في الإمكان تغافل الخطر المتنامي لداعش، في عدد من البلدان، حتى البعيدة عن مناطق الصراع في سورية والعراق. 
ضرب الإرهاب الأعمى مرتين في فترتين متقاربتين في تونس، وفي مناطق استراتيجية تمس عصب الاقتصاد التونسي، ما يعني أن الهدف المصوب نحوه ليس التعبير عن وجود إيديولوجي، ولا عن وجهة نظر تعتمد السلاح والدم لغة لها، لكن الهدف المركزي إضعاف الدولة التونسية، وسد الطريق أمامها إلى اجتياز مطبات ما بعد الربيع وانتكاساتها. وفي الكويت، كان الهدف واضحا وصريحا، نقل الحالة العراقية إلى المجتمع الكويتي، وإدخال منطقة الخليج في دوامة داعش، والفوضى الهدامة التي حملها إلى المنطقة. في حين يراد لفرنسا أن تظل في حالة تأهب، ينعكس على سياستها نحو مسلميها، ويدفعها نحو مزيد من التشدد بجرائم قطع الرؤوس.
يدل اختيار التوقيت الواحد للعمليات المتزامنة مع اختلاف التوزيع الجغرافي على أن آلة تنظيم داعش تشتغل وفق مخطط محكم ودقيق، يستطيع التحرك وتنفيذ عملياته في عمق أي بلد، عربياً كان أو أجنبياً، بل يمكنه حتى اختراق المناطق الحساسة التي تخضع لعمليات حراسة استثنائية، كما حصل في عملية مصنع الكيماويات في مدينة سان كونتان في فرنسا، حينما تمكن ياسين الصالحي، منفذ العملية من اختراق البوابة الرئيسية للمصنع، بعد أن قتل مشغله وفصل رأسه، ثم علق جثته على السياج الخارجي للمنشأة الصناعية.
في تونس والكويت، سارع تنظيم داعش إلى تبني الجريمتين، وفي فرنسا لم تتبن أي جهة ذلك، لكن وجود علم داعش في سيارة الصالحي، المعروف عند المخابرات الفرنسية بميوله المتشددة، يجعل نسبة العملية للتنظيم أقرب.
ومهما يكن، تشير التخوفات المعبر عنها حاليا، إلى مخافة أن تحصل عمليات مشابهة في دول الجوار، فقد رفعت إسبانيا وإيطاليا حالة التأهب، ووضع المغرب أجهزته الأمنية في حالة استنفار قصوى، بعد أن جرى، أخيراً، تفكيك خلايا إرهابية لها علاقة بتنظيم داعش في عدد من المدن المغربية، وتوقيف وسطاء كانوا يمولون شباباً أو يجندونهم للذهاب إلى سورية والعراق، وآخرهم تاجر المواد الغذائية منتهية الصلاحية، والذي أباح لنفسه أن يبيع للمغاربة مواد مضروبة من أجل عيون داعش.
ماذا يعني هذا؟ إن وضع اليد على رأس المال المحلي الممول هو نقطة المنطلق للجواب على سؤال عن كيفية تمدد تنظيم مثل هذا خارج حدوده الترابية في المشرق، ويصل بسهولة إلى المغرب، ويجد له الأتباع، ومن يدفع من ماله أو من مال الاحتيال على المغاربة، لكي يقوي نزعة تدميرية ضد بلده.
في سنوات الاستعمار لم يكن لفرنسا او إسبانيا أن توطدا قلاعهما في المغرب لولا وجود متعاونين وخونة، وهذا حصل في كل مناطق العالم. واليوم لا يمكن لتنظيم متطرف أن يجد له تربة خصبة في أي بلد، في شمال أفريقيا، إذا لم يُقدم له دعم محلي قوي، وتتستر عليه قوى سياسية أو دينية محلية لا تؤمن بالديمقراطية وبحقوق الإنسان وبقانون الاختلاف بدل شريعة الدم.
وحين تضع الأجهزة الأمنية المغربية اليد على (ممول) من هذا العيار، فإنها بلا شك، على الطريق الصحيح في تلمس الإجابة التي كانت واضحة وجلية لدى المغاربة، وهم يرون كيف يجري تفريخ الجمعيات الدينية، والملايين التي تنزل عليها، تحت مسميات كثيرة، من دون أن يطرح سؤال عن ارتباطاتها العقدية والمالية وطبيعة عملها واستهدافاتها.
والقاعدة الثابتة أنه لن يحصل أي عدوان خارجي من دون حاضنة محلية، كما أنه لن يكون هناك بث مباشر بدون أجهزة استقبال، فالخائن يوجد بيننا، كما يقول رجال العصابات والمافيا، حين يتعرضون لاختراق معين.
ابحثوا، يرحمكم الله، عن أجهزة الاستقبال تلك، وستحصنون أمن بلدانكم، وتوفرون حياة مواطنيكم.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..