ووفقاً لمصادر متطابقة قريبة من الأمم المتحدة، تحدّثت إلى "العربي الجديد"، فإنّ المبعوث الأممي عكف على إعداد خطة السلام الجديدة منذ منتصف إبريل/نيسان الماضي، وكان من المقرّر أن يقدمها كإطار عملٍ لجولة مفاوضات جديدة تنتهي بالتوصّل إلى خطوط عريضة للحلّ. إلا أنّ مضامين الإطار تشمل في الأساس أفكاراً ومقترحات رئيسية للحل، على نحو يجعلها أقرب إلى "خارطة طريق" لإنهاء الحرب والعودة بالأطراف المختلفة إلى طاولة الحوار.
وباستثناء ما نشرته وكالة "رويترز" الأربعاء الماضي، كأول تسريب من مضامين الخطة الجديدة، لا يزال غريفيث وفريقه يتحفّظان على كشف تفاصيلها، بعد أن عُرضت أبرز مضامينها على مسؤولين في الحكومة الشرعية في الرياض وعلى قيادات من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم، خلال الجولة الأخيرة التي قام بها المبعوث الأممي إلى العاصمة صنعاء، في ظلّ معلومات متواترة عن أنّ الخطة لم تكن انُجزت قبل الزيارة الأخيرة، وعن وجود تعديلات طرأت مع التطورات التي شهدتها معركة الساحل الغربي بتقدّم قوات الشرعية نحو الحديدة خلال الأسابيع الأخيرة.
وتشمل التفاصيل المقتضبة التي نشرتها "رويترز"، وأثارت جدلاً في الشارع اليمني، مضامين تلامس ثلاثة من أبرز الخطوط العريضة، التي تردّدت مع كل جولة سلام في الأعوام الأخيرة، وتدعو تحديداً الحوثيين "إلى التخلّي عن الصواريخ البالستية مقابل هدنة من طرف التحالف" و"تسليم الأطراف غير التابعة للدولة أسلحتها المتوسطة والثقيلة بطريقة منظّمة ومخططة" و"تشكيل حكومة انتقالية، تمثّل المكونات السياسية كافة في البلاد".
وعلى الرغم من أنّ غياب التفاصيل، يقلّل من إمكانية الحكم على الخطة الجديدة، إلا أنّها بدت لافتة. فللوهلة الأولى، يبدو النصّ الخاص بالتخلّي عن الصواريخ البالستية مقابل الهدنة من قبل التحالف، كما لو أنّه بند معدّل من محور المطالبات/المبادرات التي يطلقها الحوثيون مراراً وتكراراً، وفحواهاً "مستعدون لوقف إطلاق الصواريخ البالستية تجاه السعودية، مقابل وقف غارات التحالف الجوية"، لتأتي بالصيغة الأممية الأولية المسربة صحافياً "التخلي عن الصواريخ مقابل الهدنة". ومن المتوقّع أن يجد هذا البند، تحفّظاً من قبل التحالف والشرعية من حيث المبدأ، باعتباره أمراً يدعم بنظر معارضي الحوثيين، وجهة نظر الأخيرين بمعادلة الصواريخ مقابل الغارات.
ويعيد المقترح الخاص بالصواريخ، بصرف النظر عن التفاصيل، الأنظار إلى مبادرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، والتي كانت أحد أبرز عناوين المحطات السياسية اليمنية الفاشلة خلال الحرب. ونصّت هذه المبادرة على أن يسلّم الحوثيون وحلفاؤهم الصواريخ البالستية إلى طرف ثالث. وكانت الحكومة الشرعية، وبدعم من التحالف، رفضت المبادرة، وتمسّكت في المقابل بتنفيذ مضامين القرار الدولي 2216 (2015)، بالانسحاب وتسليم الأسلحة إلى القوات الحكومية، وهي ذاتها أحد عناوين نقاشات وتباينات المفاوضات المحورية.
ويأتي في المحور الثاني من المعلومات المنشورة حول خطة غريفيث، تسليم الأطراف الخارجة عن سيطرة الدولة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، إذ إنّ الحكومة الشرعية تضع "تسليم السلاح"، كأحد أبرز المطالب التي تقتضيها أي عملية سياسية. في المقابل، لا يعارض الحوثيون هذا المطلب من حيث المبدأ، ولكنهم يوسعونه، للمطالبة بأن يتم تسليم الأسلحة من قبل مختلف الأطراف، والتي تتضمّن بعض المجموعات المسلحة المحسوبة على الشرعية أو التحالف. كذلك، يطالب الحوثيون بتسمية الحكومة المعنية بأن تتسلّم السلاح وتشرف على الخطوات اللازمة لإنهاء الحرب والعودة إلى المسار السياسي. واقتربت الصيغة الأولية المسربة لخطة المبعوث الأممي الجديد من مطلب الحوثيين بأن يشمل تسليم السلاح "مختلف الأطراف"، لكنها جعلت ذلك محصوراً بالأطراف الخارجة عن سلطة الدولة.
في غضون ذلك، يأتي الحديث عن تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها مختلف الأطراف، كأحد المضامين التي لم تخل منها أغلب التداولات المترافقة مع كل جولة مفاوضات ومحطة سياسية. لكن محور الخلاف يتركز في أنّ الحوثيين يطالبون بتشكيل حكومة ائتلافية تتولى هي الإشراف على تنفيذ الجانب الأمني والعسكري في الاتفاق (تسليم الأسلحة والانسحاب من المدن)، فيما ترفض الحكومة الشرعية الدخول بمناقشة المقترح، وتتمسك في تراتبية الحلّ، إذ يبدأ بالخطوات الأمنية التي يفترض أن تنهي انقلاب الحوثيين، ومن ثمّ في مرحلة ثانية الدخول في حكومة تشارك فيها مختلف الأطراف.
من زاوية أخرى، تظهر العناوين الثلاثة المبرزة من خطة غريفيث، أنّ المحاور المقترحة للحلّ اليمني تدور في الإطار ذاته، الذي تمحورت حوله أجندة المفاوضات والنقاشات السياسية منذ مفاوضات الكويت، على نحو خاص، حيث رعى المبعوث السابق اسماعيل ولد الشيخ أحمد ثلاث جولات مفاوضات. وكانت الجولة الأولى في يونيو/حزيران 2015 وانتهت كأنها لم تنعقد، في حين كانت الثانية في مدينة بيل السويسرية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وفيها كان الحديث يدور حول خطوات التهدئة للحل. أمّا جولة المفاوضات الأوسع، والتي شملت مختلف النقاشات والوثائق الخاصة بأفكار ومقترحات الحل، حتى اليوم، فقد كانت في الكويت في الفترة الممتدة بين إبريل/نيسان وأغسطس/آب من العام 2016، وفيها طرح الحوثيون وحلفاؤهم (سابقاً) من حزب "المؤتمر الشعبي العام"، مقترحات تركّز على تقديم الخطوات السياسية (تشكيل حكومة ائتلافية تتولى الإشراف على الجانب الأمني)، فيما تمسّك وفد الشرعية بالمطالبة بالخطوات الأمنية (انسحاب الحوثيين من المدن)، قبل الدخول في مفاوضات. وانتهت هذه المشاورات بنكسة من دون الوصول إلى اتفاق، بسبب الهوة بين الرؤيتين.
خطة كيري
عقب فشل مفاوضات الكويت، عاودت جهود الحلّ السياسي من خلال إعلان كيري، من مدينة جدة السعودية، عقب اجتماع مع دول الرباعية، عن مقترحات أُطلق عليها "مبادرة كيري"، وتقترح المضي بخطوات سياسية وأمنية بالتوازي. وأبرز ما أضافه كيري، كان تسليم الأسلحة إلى "طرف ثالث". وفي وقتٍ لاحق، ترجم المبعوث الأممي السابق، مقترحات كيري، ضمن خطة شاملة، عُرفت بـ"خارطة الطريق" أو "خارطة ولد الشيخ"، وهي عبارة عن نصوص حاولت إيجاد معادلة متوازنة بين مطلب الشرعية الذي يتمسّك بالبدء بالمسار الأمني، ومطلب الحوثيين الذي يتمسّك بتقديم المسار السياسي أولاً، بحيث تمضي الخطة بخطوات متوازية ومتسلسلة في آن واحد سياسياً وأمنياً. إلا أنّ هذه الخطة فشلت بعد رفضها من الحكومة الشرعية، واختفت مع رحيل كيري من منصبه، عقب انتهاء عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وبالنظر إلى كون مقترحات الحلّ المطروحة من المبعوث الأممي الجديد، لا تختلف بجوهرها عن الملامح الرئيسية للخطط السابقة، يظلّ نجاح أيّ عملية سياسية مقبلة مرتبطاً بعوامل عدة. ومن هذه العوامل قدرة غريفيث على فرض ما لم ينجح به سلفه، إضافةً إلى مستوى الدعم الذي تلقاه العملية السياسية دولياً وإقليمياً، وصولاً للتأثير المحتمل لتطورات العام الأخير على الأقل، والتي قد تدفع لتقديم تنازلات لم تكن ممكنة في العام 2016، سواء من قبل الحوثيين الذين انفضّ تحالفهم مع حزب المؤتمر وما رافق ذلك من أحداث قتل فيها علي عبدالله صالح، وصولاً إلى خسائرهم الميدانية في الساحل الغربي، أو من قبل الشرعية، التي يعدّ طول أمد الحرب والوضع غير المستقر في المحافظات الخاضعة لسيطرتها إلى جانب قوات التحالف، عوامل قد تدفعها للقبول بما لم يكن ممكناً في السابق.