وتعتزم ماي تحويل المساهمة البريطانية في ميزانية الاتحاد الأوروبي بعد خروجها من الاتحاد إلى ميزانية الصحة، إلا أن الخطة تواجه انتقادات من جانب اقتصاديين ينفون توفير أية أموال من الخروج من الاتحاد الأوروبي نظرا لتراجع الناتج المحلي منذ تصويت "بريكست"، وتقلص العائدات الضريبية بنحو 1.5 إلى 2.5 في المائة، وهو ما يعادل تقريباً مساهمة بريطانيا في ميزانية الاتحاد البالغة 19 مليار جنيه إسترليني سنوياً.
ورد وزير الصحة، جيريمي هانت، على الانتقادات بأن "الالتزام الحكومي بضخ المزيد من الأموال في ميزانية الصحة البريطانية ليس مرتبطاً بأموال بريكست، بل سيتم توفيره أيضاً من جهات أخرى، مثل رفع الضرائب في نطاقات معينة، إضافة إلى تجميد تخفيض الضرائب في نواح أخرى، كما ستلجأ الحكومة إلى الاستدانة لتوفير نحو 10 مليارات جنيه من المبلغ المطلوب".
وتعاني الخدمات الصحية البريطانية من أزمات أدت إلى تراجع مستوى ما تقدمه للمواطنين، ففترات الانتظار في المستشفيات طويلة، ومواعيد العمليات الجراحية بعيدة، كما تعاني المستشفيات من نقص الأسرّة، وتراجع ظروف عمل ورواتب الطواقم العاملة، سواء كانوا من الممرضين أو الأطباء.
وشهدت المنظومة الصحية عددا من الفضائح تتعلق بطبيعة إدارة الخدمات الصحية وطرق المحاسبة فيها، وكان آخرها فضيحة مستشفى "غوسبورت" هذا الأسبوع، حيث تم تجاهل تحذيرات تقدم بها عدد من الأطباء وأهالي المرضى حول عدد من الأدوية، ما أدى إلى وفاة عدد من المرضى.
ووفقاً للطبيب أيمن الجندي، الذي يعمل بالخدمات الصحية البريطانية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فإن "منظومة الخدمات الصحية الوطنية (إن إتش إس) تعمل على تأمين جميع الخدمات الصحية المجانية لكل المواطنين والمقيمين، ومن ضمنهم الطلاب الذين يدرسون في بريطانيا، وكذلك اللاجئون وطالبو اللجوء، ابتداءً من الرعاية الصحية الأولية من خلال الطبيب الممارس العام، وصولاً للمعالجات الاختصاصية، والمبدأ الأساسي لها أنها مؤسسة وطنية يتم تمويلها من الضرائب العامة، وأن العلاج مجاني".
وأضاف الجندي لـ"العربي الجديد": "لا شك أن السبب الرئيسي وراء ما تواجهه الخدمات الصحية الوطنية هو النقص المزمن في التمويل. الخدمات الصحية عموماً مكلفة، والحكومات المتعاقبة تحاول باستمرار تقليص الإنفاق عليها بسبب الضغوط الاقتصادية. كما أن الأزمة الاقتصادية التي واجهت المجتمع العالمي خلال السنوات الماضية، وما تبعها من إجراءات التقشّف كان لها تأثير واضح على تمويل المنظومة الصحية".
ووفقاً لمؤسسة "كينغز فند"، يجب أن يرتفع الإنفاق الحكومي على الخدمات الصحية إلى 153 مليار جنيه بحلول العام المالي 2022/ 2023، كي تتمكن من مواكبة الضغوط التي تتعرض لها، بينما الخطة المالية الحالية دون 130 مليار جنيه.
وحسب معهد الدراسات المالية، فإن حكومات حزب المحافظين أقرت تخفيض ضريبة الشركات عام 2010، بما يعادل 16.5 مليار جنيه سنوياً، وأتبعت ذلك بتخفيض ضريبتي الميراث وضريبة أرباح رأس المال، وهو ما يصب مباشرة في مصلحة الأغنياء الداعمين للحزب، ويقلص الميزانية الحكومية.
لكن التمويل ليس المشكلة الوحيدة التي تواجهها الخدمات الصحية، فهي تتعرض لضغوط سببها ارتفاع معدلات الأعمار في المجتمع، واحتياجات المسنين الصحية تزداد بتقدم العمر. ويضيف الجندي: "مع تقدم وسائل العلاج وتطورها، تزداد توقعات المرضى ومتطلباتهم، وتزداد معها تكاليف العلاج. كما أن هناك ضغوطا موسمية تتعرض لها المنظومة، ففي فصل الشتاء مثلاً، تزداد الالتهابات التنفسية عند المسنين".
وتابع: "هناك نقص مزمن بالكوادر الطبية والتمريضية سببها تراجع الرغبة لدى الشباب بدخول المجال بسبب طول فترة التدريب ومحدودية الدخل، فضلا عن تزايد القيود المفروضة على قدوم الخبرات الطبية والتمريضية من الخارج".
وتحاول الحكومة البريطانية لوم إدارة الخدمات الصحية، حيث طالبت مراراً بإصلاحها وإعادة هيكلتها بحيث تصبح أكثر نجاعة ماليا، وتحاول أيضاً توجيه اللوم لما يعرف باسم "السياحة الطبية"، حيث يزور بريطانيا العديد من المرضى للحصول على العلاج الطبي المجاني، إلا أن الأرقام الرسمية تناقض هذه الاتهامات، فالسياحة الطبية لا تتجاوز 0.3 في المائة من ميزانية الخدمات الصحية.
وتأسست الخدمات الصحية الوطنية البريطانية عام 1948، في مرحلة الإصلاحات الاجتماعية في بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وبين مبادئها التأسيسية أن تكون شاملة ومتاحة للجميع ومجانية.