لم يُكشف رسمياً عن خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول "تنظيم الإسلام في فرنسا" حتى الآن، على الرغم من الإعلان عنها في شهر فبراير/شباط الماضي.
وتشير التوقعات إلى احتمال إعلانها نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، أو يناير/كانون الثاني 2019. وفي هذا الإطار، تنقل "لوجورنال دي ديمانش" عن مصادر في الإليزيه تبريرها لهذا التأخير، بالرغبة في "الشفافية"، وبأن تكون المقترحات الرئاسية "تمثيليّة بدرجة كافية، حتى يُنظَر إليها باعتبارها شرعية من قبل المجموعة الإسلامية" في فرنسا، وإلا فإن "الأمر لن يُفيدَ في شيء".
تلفت الصحيفة الفرنسية إلى وجود بعض الحذر من قبل وزير الداخلية والأديان، جيرار كولومب، الذي اكتشف الصعوبة القانونية لبعض المقترحات التي تقدم بها حكيم القروي (مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون المسلمين) في تقريره المستقل حول الإسلام في فرنسا، وهو التقرير الذي كشَفَ عنه معهد مونتين، يوم الأحد الماضي 9 سبتمبر/أيلول.
وترى الصحيفة أن مقترح فرض الدولة الفرنسية ضريبةً على المنتوجات الحلال، بحسب مصادر في وزارة الداخلية، من أجل تمويل تشييد مساجد، "ليس له معنى من الناحية القانونية. فالدولة لن تفرض ضريبة على الحلال في مشروع قانون للمالية". لكن، وحسب نفس المصادر، فإن "جعل الشفافية إلزامية في سوق الحجّ وفي الزكاة، يمكن أن يتوافَقَ مع القانون".
ولا شكّ أن الحكومة الفرنسية أحِيطت علما بالانتقادات التي تعرَّض لها تقرير حكيم القروي، من قبل كثير من الفاعلين في شؤون الإسلام في فرنسا، خصوصاً من طرف اليمين واليمين المتطرف الفرنسيَين.
ولا يخفي كريم القروي، في لقاء له مع "لوجورنال دي ديمانش"، اليوم الأحد، حقيقة أنه انطلق من "قاعدة محاربة الإسلاموية"، التي "يتفق الرأي العام الفرنسي معها".
ويرفض القروي الاتهام بأن مشروعه يصب في "رؤية نيو-كولونيالية تنظر لمسلمي فرنسا باعتبارهم مجرّد أهالٍ، يُقرَّرُ مصيرُهمُ من قبل آخرين". وجدّد الباحث الفرنسي التونسي، إدانة سطوة بلدان أجنبية، منها تركيا والجزائر والمغرب، على الإسلام في فرنسا، تلك الدول التي "تمنح المال، وتُصدّر صراعاتها الثنائية". ويخلُص إلى أن "تحرُّرَ المسلمين من بلدانهم الأصلية وتَسَلُّمَ الجيل الجديد مسألة تنظيم الديانة سيتيح للدولة الفرنسية أن تبقى في مكانها"، أي أن تتعامل مع الإسلام كما تتعامل مع باقي الديانات.
وفي موقف يُظهر تشتت مواقف الفاعلين الإسلاميين، هاجم القروي الاستشارة الشعبية الواسعة التي نظّمها الناشط الإسلامي مروان محمد في فرنسا، ورأى فيها رغبة في مهاجمة "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" (المُحاور الرسمي للسلطات الفرنسية)، إضافة إلى التشكيك في "صدقية إحصاءات هذه الاستشارة"، متهما إياه، (مروان محمد، ومن يؤيد مواقفه) بأنه يحاول زرع الفرقة بين "نحن المسلمين" و"هم، أي الدولة".
وعاد كريم القروي إلى أحد مقترحات تقريره، التي أسالت كثيرا من المداد وتعرضّت لانتقادات حادة من اليمين واليمين المتطرف، رغم أن وزير التربية الوطنية عبّر عن دعمه لها، وهي تعزيز تدريس اللغة العربية في المدارس والمعاهد الفرنسية، لتجنب اللجوء إلى تعلّمها في المساجد، ليؤكد أن اليمين الفرنسي يلعب على وتر "الخوف الهوياتي". وشدّد على أنه إذا كان عليه أن يختار بين المدرسة والمسجد، فإنه يختار المدرسة.
وتجدر الإشارة إلى صدور بعض المواقف اليمينية المؤيِّدة لتدريس اللغة العربية، ومن بينها موقف عمدة نيس، كريستيان إيستروزي. وفي لقاء له اليوم مع قناة "بي إف إم تيفي"، أيّدَ تدريس اللغة العربية في مدارس الدولة، مبديا القلق من لجوء التلاميذ إلى المساجد لتعلّمها. واعتبر أن تدريس هذه اللغة الأجنبية ضروري، خاصة مع وجود سوق عربية ضخمة وواعدة. وتساءل: حين قررنا قبل نحو ثلاثين سنة تدريس اللغة الروسية في فرنسا، هل قررنا أن نلجأ إلى مدارس الحزب الشيوعي لتعلّم هذه اللغة؟!
ولم يُخف كريم القروي دور المملكة العربية السعودية في تصدير السلفية، من خلال جامعة المدينة ورابطة العالم الإسلامي، لكنه رأى أن "السلفية في فرنسا وصلت عن طريق الجزائر في بدايات تسعينيات القرن الماضي".
واعترف بأنه قدّم مقترحات حول الإسلام لرئيسيْ جمهورية فرنسيَيْن: "فرانسوا هولاند، وكان واضحا أن الأمر لا يَهمه، لأنه كان يُنكر أيَّ دور لأيّ ديانة في المجتمع. أما إيمانويل ماكرون فمختلف، وأدرك أهمية صعود الإسلاموية". ورغم تأخره في اتخاذ القرارات، فهو "يعرف ما يحدُثُ بالكامل، وهو ليس ساذجاً".