خطاب قومي تركي يُترجَم إعلاميّاً وتربويّاً ويقلق اللاجئين السوريين

12 أكتوبر 2016
عدم ارتياح في صفوف اللاجئين السوريين بتركيا (مراد كيناك/الأناضول)
+ الخط -


يتصاعد الخطاب القومي التركي منذ تنحية أحمد داود أوغلو عن رئاسة الوزراء، بشكل مضطرد، سواء في الإعلام الموالي للحكومة التركية، أو على لسان عدد من المسؤولين الأتراك، مترافقاً مع تصاعد المواجهات مع حزب العمال الكردستاني، ليبلغ هذا الخطاب أوجه مع عملية "درع الفرات" التي شنّتها القوات المسلحة التركية والمعارضة السورية في جرابلس، ومع الخلافات التي اندلعت بين إيران وتركيا حول عملية استعادة السيطرة على مدينة الموصل من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ويأتي ذلك مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المثيرة للجدل، حول اتفاقية لوزان التي تُعد بمثابة وثيقة إعلان الجمهورية التركية، إذ اعتبرها، بخلاف الخطاب الرسمي للدولة التركية، وثيقة هزيمة وليس انتصاراً لبقايا الجيش العثماني بعد الحرب العالمية الأولى، الذي لم يستطع استعادة إلا أقل من عشرة في المائة من أراضي السلطة العثمانية، كما أنه لم يستطع حتى استعادة الأراضي التي تم الاتفاق عليها في "الميثاق الملي"، والتي كانت تشمل ولاية الموصل العثمانية بما في ذلك كل من كركوك وأربيل والسليمانية ودهوك، وولاية حلب وشرق تركيا حيث تسكن غالبية تركية تقع الآن داخل أراضي اليونان.
تلقف عدد من كتّاب الأعمدة الأتراك تصريحات أردوغان، ليبدأوا حملة واسعة، تتحدث عن "أحقية تركيا في الموصل"، وفق الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الاحتلال البريطاني قبيل إعلان الجمهورية العراقية. وبحجة أن المنطقة يُعاد رسمها من الأميركيين الآن، أكد كتّاب مشهورون، منهم الكاتب في جريدة "تقويم" المقربة من أردوغان شخصياً، بولنت إرانداج، في مقال له، تحت عنوان "لم ننسَ الموصل"، أن تركيا لم تنسَ قيام الإنكليز برسم الخرائط التي فصلت الموصل وحلب عن الأناضول، مهاجماً حزب الشعب الجمهوري الذي يرفض التدخلات التركية في شؤون الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، تستمر وكالات أنباء تركية، بالعمل على تغيير أسماء مدن سورية. فبينما يستخدم الرئيس التركي ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، الاسم العربي لمدينة الراعي، تصر وكالات تركية في نسخها العربية حتى، على استخدام كلمة "جوبان باي" للحديث عن مدينة الراعي، بينما وصل الحد في النسخ التركية لصحف موجّهة للداخل التركي إلى تتريك أسماء القرى والبلدات في ريف حلب، بحجج عديدة يأتي على رأسها أن نظام "البعث" في سورية غيّر الأسماء التركمانية للقرى. لكن من غير المفهوم تتريك اسم مدينة الباب إلى "كابي" أي ترجمة حرفية لمعنى كلمة الباب باللغة التركية.


ووصل الأمر بمدير تحرير جريدة "يني شفق" الموالية للحكومة التركية، إبراهيم كاراغول، إلى القول، في مقال له قبل أيام، إنه "علينا أن نقسم خط الحصار الممتد من إيران إلى البحر المتوسط"، وإعادة تأسيس الجمهورية التركية، معتمداً على خريطة الميثاق الملي. وبعد سرده للأحداث التي مرت بها المنطقة خلال السنوات العشر الأخيرة، ممعناً في الحديث عن "المؤامرة"، وضرورة مواجهة ما سماه "المشروع الإيراني"، شدد كاراغول على وجود مشروع تركيا في قلب العمليات الدائرة حالياً لإعادة رسم خريطة المنطقة، ليكون ذلك "بمثابة التأسيس الثاني للجمهورية التركية" بحسب وصفه.
وعلى الرغم من حديثه عن "مشروع تركي متعدد الأمم"، إلا أنه لا يبدو أن طرح كاراغول والمسؤولين الأتراك عموماً له أي علاقة بالمشروع العثماني، بل يبدو أقرب إلى كونه مشروعاً أتاتوركياً معدلاً في فهم تعدد الأمم، وهو المشروع الذي طوّره حزب العدالة والتنمية بعد إنشائه من تحالف اليمين الإسلامي والقومي التركي، ويقوم على الاعتراف بوجود هذه الأمم مع ضمان حكم الأتراك لها، وليس التشارك معها.
وبموازاة هذه القومية المتصاعدة في الخطابين السياسي والإعلامي، يعرب عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا عن إحساسهم بعدم الارتياح إزاء ظاهرة مستجدة في التعاطي التركي الرسمي معهم؛ فقد أعلنت وزارة التعليم التركية، قبل أيام، وفي إطار عملها على إعادة تنظيم القطاع التعليمي للسوريين وتوسيعه، أنه سيتم اعتماد المنهاج التركي في تعليم جميع السوريين المقيمين على أراضيها خلال الفترة الممتدة بين ثلاث وخمس سنوات مقبلة، ما يعني فقدان جيل كامل من السوريين الذين سيكبرون في تركيا أي علاقة مع لغتهم الأم باستثناء الحديث اليومي. وكان السوريون اللاجئون في تركيا قد أنشأوا مؤسساتهم التعليمية الخاصة اعتماداً على مناهج معدلة باللغة العربية.
بناءً على هذه المعطيات، يرى كثيرون أن ملامح المشروع التركي الجديد في سورية بالذات، بدأ يأخذ معالم مختلفة عن طرح داود أوغلو الإسلامي الهوية. وبالفعل، بدأت بعض مؤسسات الدولة التركية تضخ أيديولوجية الدولة التركية في عقول السوريين، إذ أكد نائب رئيس الوزراء التركي، ويسي كايناك، قبل أيام ذلك، بقوله "سنُدرّس الطلاب السوريين اللاجئين مناهجنا، سنعطيهم دروساً في التاريخ والقيم لأن المناهج السورية كانت مبنية على أساس العداء للدولة العثمانية والتركية منذ زمن (حافظ) الأسد الأب، فالخرائط الرسمية التي يعتمدونها لا تزال تُظهر ولاية هاتاي التركية داخل حدود سورية"، مضيفاً: "ما يثير الدهشة أكثر أن الحزام الذي يريد حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي إنشاءه في شمال سورية، يتم نقشه في أذهان الأطفال السوريين منذ سنين، وعلينا أن نغيّر هذه المفاهيم".