كشفت مصادر نيابية متطابقة في مصر أن الحكومة أرجأت قرارها برفع أسعار المحروقات لمدة أسبوع واحد، بعدما كان مقرراً تطبيق الزيادة الجديدة عشية أمس، الخميس، وذلك لإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي حزمة من إجراءات "الحماية الاجتماعية" المصاحبة لقرارات رفع أسعار الوقود والكهرباء غداً، السبت، عقب إلقائه اليمين الدستورية لولايته الثانية أمام البرلمان.
ويشهد محيط مجلس النواب إجراءات أمنية غير مسبوقة استعداداً لزيارة السيسي، شملت إزالة البوابات الحديدية عن مدخل شارع قصر العيني، وإزالة الحواجز الحديدية من أمام مدخل البرلمان الرئيسي، وسحب أي سيارات "مركونة" لقاطني العقارات إلى خارج دائرة التأمين، وانتشار "القناصة" على أسطح المباني المجاورة، وإغلاق المحال التجارية بوسط القاهرة إلى حين الانتهاء من موعد القسم.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تواجه أزمة حقيقية تتمثل في ارتفاع نسبة العجز الفعلي بموازنة السنة المالية (2017/ 2018)، نتيجة تجاوز سعر برميل النفط العالمي حاجز 75 دولاراً، في حين يبلغ سعر ربطه في الموازنة الجارية 55 دولاراً فقط، وهو ما دفعها لتقديم موعد زيادة المحروقات إلى نهاية مايو/ أيار، بدلاً من نهاية يونيو/ حزيران، لخفض نسبة العجز، قبل أن تضطر إلى تأجيلها أسبوعاً.
وعزت المصادر تأجيل الزيادة إلى سببين رئيسيين، أولهما إعلان السيسي عن توجيهاته للحكومة بشأن التقدم بمشروعي قانونين لإقرار نسبة زيادة المعاشات السنوية، والعلاوة الدورية للعاملين في جهاز الدولة الإداري، فضلاً عن رفع قيمة المخصصات التموينية الشهرية للمواطن من 50 إلى 75 جنيهاً، وتوسيع قاعدة المستفيدين لمعاش "تكافل وكرامة" إلى نحو مليوني أسرة، بدلاً من مليون و700 ألف أسرة حالياً.
وأفادت المصادر بأن السبب الثاني هو منح الفرصة للبرلمان لمناقشة بنود موازنة السنة المالية (2018/ 2019)، والتصويت على إقرارها نهائياً خلال جلساته المنعقدة أيام الأحد والإثنين والثلاثاء المقبلة، على اعتبار أن زيادة أسعار المحروقات مرتبطة بخفض مخصصات الدعم لها في الموازنة الجديدة، وموافقة النواب عليها تعطي "شرعية دستورية" للحكومة في إقرارها، كون ممثلي الشعب وافقوا عليها.
ورفضت المصادر الربط بين قرار زيادة أسعار الوقود المرتقب في مصر وقرار الأردن بتجميد رفع أسعار المحروقات، إثر احتجاجات شعبية عمت غالبية البلاد، وشملت إغلاق طرقات، وحرق إطارات في الشوارع، لالتزام الحكومة المصرية بمجموعة من إجراءات "الإصلاح الاقتصادي" المعلنة سلفاً للمواطنين، وفق اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرضه البالغ إجماليه 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات.
وفي وقت سابق، رجحت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، ارتفاع سعر بنزين (أوكتان 92) من 5 جنيهات إلى 7 جنيهات (0.39 دولار) للتر، على أن يرتفع مرة أخرى إلى 9 جنيهات قبل نهاية السنة المالية الجديدة التي تنقضي بنهاية يونيو/ حزيران 2019، والتي بلغت تقديرات دعم المواد البترولية بمشروعها نحو 89.1 مليار جنيه (5 مليارات دولار)، مقابل 110.1 مليارات جنيه (6.2 مليارات دولار) للعام الحالي، بخفض قدره 21.73 مليار جنيه.
وتعد الزيادة المرتقبة في أسعار المواد البترولية هي الرابعة منذ وصول السيسي إلى سدة الحكم في يونيو/حزيران 2014، إذ كانت الزيادة الأولى في يوليو/ تموز من ذلك العام، بنسب اقتربت من الضعف، والثانية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بنسب تراوحت بين 30% و47%، ثم جاءت الزيادة الأخيرة في الثلاثين من يونيو/ حزيران الماضي بنسب تصل إلى 55%.
وبحسب مراقبين، فإن ارتفاع أسعار الوقود ستتبعه بالضرورة زيادات كبيرة في أسعار جميع السلع والخدمات، بما لا يتناسب مع دخول الفقراء ومحدودي الدخل، الذين يمثلون الشريحة الكبرى من المصريين، وهو ما يهدد باندلاع موجة غضب شعبي جديدة، ستقابلها على الأرجح حملة اعتقالات موسعة للمعارضين، على غرار ما حدث إبان زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق في 11 مايو/ أيار الماضي بنسبة 350%.