خشية إسرائيليّة من اتساع الهوّة مع يهود أميركا

09 سبتمبر 2014
يهود في أميركا تظاهروا ضد عدوان غزة (بيلجين سسماز/الأناضول/Getty)
+ الخط -
تبدي دوائر الحكم في تل أبيب، قلقاً كبيراً، إزاء العديد من المظاهر التي تعكس تهاوي الروابط بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل، لدرجة أن هناك أوساطاً يهوديّة، باتت توظّف وزنها وعلاقاتها مع الإدارة الأميركية، لإفشال سياسات حكومة بنيامين نتنياهو.

وترى بعض دوائر صنع القرار في تل أبيب، أنّه يتوجب عدم مواصلة الرهان فقط، على النفوذ الذي تحظى به منظمة "أيباك"، أقوى المنظمات اليهوديّة في الولايات المتحدة، وعلى دورها في تأمين دعم أميركي متواصل لإسرائيل، من خلال الضغط على الكونغرس والإدارة. وكشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في عددها الصادر، يوم الجمعة الماضي، أن أوساطاً يهوديّة أميركيّة، من ضمنها منظمة "جي ستريت"، ذات التوجهات الليبراليّة، تضغط على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، لتبنّي خطة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لناحية الإعلان عن الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، عندما يطرحها عباس أمام الأمم المتحدة، وهي الخطة التي تعارضها إسرائيل بشدّة.

ويبدو أن الصدع بين إسرائيل واليهود الأميركيين، أعمق ممّا تتصوّره دوائر الحكم في تل أبيب. وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في عددها الصادر يوم الخميس الماضي، أنّه وبحسب استطلاع الرأي العام، أُجري في أوساط اليهود الأميركيين، لا يريد 75 في المائة منهم، ربط مصيرهم بمصير إسرائيل. وتنضم هذه المعطيات إلى معطيات أخرى، تعكس حجم الهوّة بين اليهود الأميركيين وإسرائيل.

وأظهر استطلاع رأي عام، أجراه معهد "PEW"، أن 5 في المائة فقط من اليهود الأميركيين، يقولون، إنّ تصويتهم في الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة يتأثّر بمدى التزام المرشح بمصالح إسرائيل. أكثر من ذلك، كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في عددها الصادر بتاريخ 21 أبريل/نيسان الماضي، أنّ معظم الشباب الأميركي، الذين يقودون حملات المقاطعة ضد إسرائيل، هم من اليهود.

وإذا كان الخلاف حول مظاهر نفور اليهود الأميركيين من إسرائيل، غير موجود في إسرائيل، فإن هناك اختلافاً جذرياً حول طابع الأسباب التي تُطرح لتفسير هذه الظاهرة.
تدّعي دوائر الحكم والنخب اليمينيّة المرتبطة بها، أّن السبب الرئيسي يكمن في تفشّي الزواج المختلط في أوساط الأميركيين، إذ تبين أن 58 في المائة من الشباب اليهودي، يتزوجون من غير اليهود، وهو ما يؤدي في النهاية إلى التحوّل عن اليهوديّة. في المقابل، ترى الأوساط الليبرالية في إسرائيل، أنّ السبب يعود إلى أن اليهود الأميركيين، وتوجّهات أغلبيتهم الساحقة ليبراليّة، ضاقوا ذرعاً بالسياسات التي تنتهجها الحكومات الإسرائيليّة، والتي تتناقض مع التوجّهات "الإنسانيّة" لهؤلاء اليهود.

ويرى المفكر الإسرائيلي، كارلو شتيرنغير، أنّه ليس من المستغرب أن يُظهر اليهود الأميركيون، ذوو التوجهات الليبرالية، كل هذا الجفاء تجاه إسرائيل، في وقت يتمّ فيه التضييق على الليبراليين في إسرائيل ذاتها، لدرجة أن الكثير من النخب الليبراليّة الإسرائيليّة، تجاهر برغبتها في مغادرة إسرائيل "إلى غير رجعة".

ويشير شتيرنغير، في مقال نشرته "هآرتس" يوم الجمعة الماضي، إلى حقيقة أن الكثير من النخب الإسرائيليّة الليبراليّة تبحث بصمت، عن أماكن تستقرّ فيها خارج إسرائيل، لا سيّما في برلين أو نيويورك أو لوس أنجلوس. وبحسب شتيرنغير، بات اليهود الأميركيون والبريطانيون، يؤمنون أنّ سلوك الحكومات الإسرائيليّة، والنخب المرتبطة بها، يدلّ على أنّ الصهيونية في نسختها "الليبراليّة" قد وصلت إلى نهاية دربها، وأنّه لا يمكن لليهودي أن يكون صهيونيّاً وفي الوقت ذاته ليبراليّاً. ويشير إلى أن هذا ما يفسّر الحماس الذي يستقبل به يهود العالم، الانتقادات التي تُوجّه لعدم التسامح إزاء الليبراليين في إسرائيل.

ويجزم شتيرنغير أنّ اليهود الأميركيين اليائسين "دفنوا الصهيونيّة الليبراليّة الديمقراطيّة"، على اعتبار أنه يستحيل في ظلّ مواقف الحكومة الإسرائيلية الحالية، التوصل إلى حل للصراع، يضمن بقاء الطابع "الديمقراطي" لإسرائيل، بسبب إصرار حكومة اليمين على الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967.

ويلفت المفكّر الإسرائيلي إلى أن اليهود الأميركيين، غير قادرين على تفهّم قرار الجهاز القضائي الإسرائيلي، بعدم توقيف الحاخامات اليهود الذين دعوا خلال الحرب على غزة إلى قتل المدنيين الفلسطينيين العُزّل، لمجرد أن خطوة مماثلة تحقّق الردع. ويحذّر شتيرنغير من أن السياسيين اليمينيين، الذين يديرون مقاليد الأمور في إسرائيل، يرون في "الصهيونيّة الليبراليّة خطراً يهدد مشروعاتهم السياسية القائمة على تقديس القبيلة والأرض والعلاقة بينهما".

يضفي صدقية على ما جاء في مقال شتيرنغير، حقيقة أن مقال الكاتب الليبرالي روجل ألفير، الذي نُشر في "هآرتس" بتاريخ 31 أغسطس/آب الماضي، وأعلن فيه أنه سيغادر إسرائيل لأنه لم يعد بالإمكان لليبرالي مثله البقاء، أحدث ضجة هائلة في أوساط اليهود الأميركيين، إذ حظيت الترجمة الإنجليزيّة للمقال بـ8 آلاف مشاركة على "فيسبوك"، وهي ضعف المشاركات التي حظي به المقال الأصلي بالعبريّة.

وعندما أعادت "هآرتس"، أخيراً، نشر مقال المؤرخ اليهودي البريطاني توني جاديت، كانت نشرته بالإنجليزية للمرّة الأولى بتاريخ 2 مايو/أيار 2006، بعنوان "حان الوقت للتغلّب على المشاعر"، وعبّر فيه عن تشاؤمه إزاء فرص إنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية، شاهد أكثر من 150 ألف متصفّح، في حين أنه حظي بـ45 ألف مشاركة على "فيسبوك" فقط، في الفترة الفاصلة بين 20 يوليو/تموز و20 أغسطس/آب من العام الحالي.

لكن وكما هو متوقع، تختار نخب الحكم اليمينية في تل أبيب، كلّ الحلول التي تُجنبها معالجة جذور المشكلة. وباعتبار أنّها غير مستعدة لتغيير أي من منطلقاتها الأيديولوجية، تحاول هذه النخب طرح حلول شكليّة للصدع القائم بين إسرائيل ويهود أميركا.

يُصرّ وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، على أن المشكلة تكمن في الزواج المختلط بين اليهود الأميركيين ومعتنقي الأديان الأخرى. ولا يتردد في تشبيه الزواج المختلط بـ"الكارثة"، التي حلّت باليهود إبّان الحرب العالميّة الثانية. من هنا، وضعت وزارة الشتات في حكومة نتنياهو، خطة تقوم على محاولة تقليص مظاهر الزواج المختلط في صفوف الشباب اليهودي الأميركي، إضافة إلى قائمة من النشاطات الهادفة إلى تعزيز الروابط الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة بين الشباب اليهود الأميركي وإسرائيل.

المساهمون