لم توفّر الحرب في اليمن أيّ مجال أو ناحية أو فئة لتأتي تبعاتها السلبية على كلّ الأصعدة، منها شحّ مياه الشرب بالإضافة إلى تدهور جودتها الذي تسبّب في انتشار أمراض عدّة بين اليمنيين، لعلّ أشدّها خطورة الكوليرا. وضرورة التكيّف مع أزمة المياه جعلت الأسر تعود إلى أساليب قديمة في المعيشة لم تعد معتمدة حالياً، ومنها تحويل مياه الأمطار الموسمية الصيفية التي تهطل في هذه الأيام، من على أسطح المباني إلى خزّانات أرضية صغيرة.
تُعدّ الآبار الجوفية والخزّانات العامة المفتوحة من أبرز مصادر الإصابة بمرض الكوليرا القاتل في ريف اليمن. يأتي ذلك في حين لم تعد تعمل إلا 45 في المائة من المرافق الصحية في البلاد نتيجة الحرب القائمة. إلى ذلك، ونظراً إلى انعدام الإشراف البيئي الحكومي على سلامة الآبار وخزّانات الريف، فقد صارت مصدر خوف للقرويين الذين لم يمتنعوا بمعظمهم عنها نتيجة انعدام الخيارات أمامهم.
عبد الباري العسكري من ريف محافظة عمران (شمالي صنعاء) أوجد حلاً للمشكلة، فبنى خزّاناً لأسرته أخيراً، قائلاً إنّ جودة مياهه أفضل بكثير ممّا هي عليه مياه بئر القرية. يقول: "خلال أيام الأمطار الصيفية أنظّف سطح المنزل وقاع الخزّان لأضمن نظافة المياه". ويخبر "العربي الجديد" أنّه في السابق "كنّا نعمل على تنقية مياه البئر باستخدام قطعة من الشاش، إلا أنّ لون المياه كان يبقى مختلفاً عمّا يُفترض أن يكون. أمّا مياه الخزان فهي صافية تماماً ومذاقها خفيف". ويلفت العسكري إلى أنّ ثمانية قرويين أصيبوا بالكوليرا فيما أصيب كثيرون آخرون بمشكلات في الكلى بسبب تلوّث المياه. ويؤكد أنّ "الأهالي يشككون بسلامة مياه البئر لأنّه مفتوح وعميق، لكنهّم لا يستطيعون إيجاد بديل آخر".
من جهته، يرى محسن محمد وهو من سكان محافظة حجة (شمال) أنّ "خزّانات الأسر جاءت كحلّ سحري في حين يشهد اليمن أوقاتاً عصيبة بسبب الحرب القائمة". يقول لـ "العربي الجديد": "كنّا قبل عام محبطين بسبب نقص مياه الآبار البعيدة، مع الإشارة إلى أنّ النساء كنّ يستغرقن ساعات ثلاث لجلبها على رؤوسهنّ وعلى ظهور الدواب". يضيف أنّه "لم يكن من حلّ سوى شراء المياه بالصهاريج عندما تشح مياه الآبار في الشتاء. لكنّ ذلك كان يرهقنا نظراً إلى غلائها، إذ وصلت تكلفتها إلى 16 ألف ريال يمني (نحو 65 دولاراً أميركياً) بسبب بُعد القرية وغلاء الوقود".
ويوضح محمد أنّ "أحد القرويين تأثّر بما يقوم به آخرون في قرية أخرى، فنقل إلينا فكرة خزّانات الأسر التي راحت تتزايد في القرية بصورة ملحوظة". ويتابع: "أنفقت نحو 300 ألف ريال (1200 دولار) لشراء إسمنت البناء وأخشاب سطح الخزان فقط، في حين كانت المواد اللازمة الأخرى متوفرة في القرية مثل الرمل والحجارة". لكنّ محمد يلفت إلى أنّ زوجته ما زالت تجلب مياهاً من البئر مرّة كلّ يومَين، لاستخدامها في الغسيل وشؤون النظافة، فيما نخصّص مياه الخزان للشرب والطبخ فقط، حتى يكفي الأسرة طوال العام".
في السياق، بدأت مؤسسة حكومية مموّلة دولياً بتوسيع استخدام الخزّانات الأسرية لسدّ الحاجة إلى مياه الشرب. وفي ظل استمرار استنزاف المياه الجوفية وتوقّع نضوبها خلال سنوات قليلة بحسب البنك الدولي، فإنّه من شأن تلك الخزّانات أن تساعد في استثمار مياه الأمطار بدلاً من ضياعها في البحر أو الصحراء. كذلك فإنّ جودة مياه تلك الخزانات تكون عالية، شريطة تنظيفها باستمرار، الأمر الذي يجعلها أفضل من مياه البرك أو تلك التي تصل إلى البيوت عبر شبكات المياه العامة في مدن يمنية كثيرة.
المهندس حسن الحبيشي هو أحد الاستشاريين في الصندوق الاجتماعي للتنمية، يوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "الصندوق نقل تجربة الخزّانات الأسرية من مجتمعات جبلية في محافظة تعز (وسط) ليساهم في بناء عشرات الآلاف منها للأسر الفقيرة". يضيف أنّ "الصندوق وسّع نشاطه ليبلغ المدن ويستفيد من أسطح المدارس والمباني العامة الواسعة فيحوّل مياه الأمطار منها إلى خزّانات يستخدمها مواطنون في الجوار". ويتوقّع الحبيشي أن "تساهم هذه التجربة في توسّع انتشار الخزّانات، نظراً إلى انخفاض تكلفتها وارتفاع فعاليتها في مجابهة المشاكل البيئية والاقتصادية".
تجدر الإشارة إلى أنّ موسمَي الأمطار خلال العام يساهمان في توفير المياه للأسر لفترات تتراوح ما بين ثمانية وتسعة أشهر. وتتميز تلك الخزّانات في انخفاض تكلفتها مع توفّر حجارة بناء جدرانها الداخلية والخارجية وتولّي أرباب الأسر بناءها بأنفسهم.
وكانت مرافق وشبكات المياه قد تعطّلت خلال الحرب الدائرة في البلاد، ليلجأ السكان بمعظمهم إمّا إلى استحداث آبار لمياه الشرب من دون أيّ رقابة رسمية، الأمر الذي تسبّب في أحيان كثيرة في انتشار الكوليرا. إلى ذلك، انتشرت الخزّانات مع وصول حجم الحاجة إلى مياه الشرب إلى 14.5 مليون يمني يمثّلون نحو 50 في المائة من السكان. يُذكر أنّ اليمن هو سابع أفقر دولة في العالم لجهة الثروة المائية.