خريطة القوائم الانتخابية في الأردن: الفوضى سمة البرلمان المقبل

22 اغسطس 2016
عدد المرشحات بلغ 255 سيّدة (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
أُغْلق يوم الخميس الماضي، باب الترشح للانتخابات النيابية الأردنية المقررة في العشرين من سبتمبر/أيلول المقبل. تم تسجيل 230 قائمة انتخابية تضم 1293 مرشحاً ومرشحة سيتنافسون على مقاعد مجلس النواب الثامن عشر، والبالغة 130 مقعداً، منها 15 مقعداً مخصصاً لكوتا النساء، و9 مقاعد لكوتا المسيحيين، و3 مقاعد لكوتا الشركس والشيشان.

وتجري الانتخابات وفقاً لقانون جديد صادق عليه ملك الأردن، عبد الله الثاني، في 13 مارس/آذار الماضي، بعدما أقره مجلس الأمة بشقيه، الأول يتعلق بالنواب والثاني بالأعيان. ويعتمد القانون نظام القوائم النسبية المفتوحة، في تجربة هي الأولى في تاريخ الانتخابات في البلاد. القانون الجديد أنهى العمل بقانون الصوت الواحد الذي اعتمد منذ انتخابات عام 1993 وحتى تلك التي جرت عام 2013. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الأحزاب والقوى الوطنية والسياسية عن إعلان اعتراضها على هذا القانون، معتبرة أنه تسبب في خنق الحياة السياسية عبر إنتاج مجالس نيابية ضعيفة، تسهل السيطرة عليها من قبل السلطة التنفيذية، فضلاً عن مساهمته في تفتيت النسيج الاجتماعي وتعزيز الهويات الفرعية، وتحفيز المال السياسي.

ويعتبر المعنيون بالشأن الانتخابي، ولا سيما في الأوساط الرسمية الأردنية، أن حجم الترشح للانتخابات يشكل مؤشراً إيجابياً سينعكس على نسبة الاقتراع في يوم الانتخابات، وفق توقعاتهم، علماً بأن هناك دعوات لمقاطعتها. لكن المؤشر الأهم الذي يستخلصه الرسميون من حجم الترشح يتمثل بقدرة المرشحين على فهم القانون الذي لا يزال، بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين، لغزاً يحتاج إلى تفكيك.

لكن تحليل القوائم الانتخابية، يحمل في ثناياه دلالات سلبية حول فهم المرشحين للقانون. والمقصود هنا أن تفسير هؤلاء يخالف جوهر القانون ويظهر أنهم لم يلتقطوا المغزى الحقيقي الذي يحمله. فالغاية الأساسية منه تتمثل في تعزيز التحالفات الحزبية على أساس البرامج. لكن المشهد الحالي يظهر أن هذا النوع من التحالفات يغيب إلى حد كبير عن تركيبة القوائم، إلى درجة أن البعض بدأ يسخر من الوضع مستشهداً بمثل شعبي يقول: "مثل طبيخ الشحادين"، للدلالة على اختلاف القوائم الانتخابية وعدم اتساق الأفكار والرؤى والخلفيات السياسية، إنْ وجدت، للمرشحين على نفس القائمة.

المرشحون يردون الأمر إلى الآلية التي حددها القانون لاحتساب الفائزين بالمقاعد البرلمانية، وهي آلية معقدة تعتمد على احتساب وزن المقعد النيابي بالنسبة إلى عدد المقترعين في الدائرة الانتخابية، ليصار إلى احتساب حصة القائمة من المقاعد، ومن ثم يحصلون عليها بناءً على عدد الأصوات التي نالها كل مرشح داخل القائمة. هذه الآلية تؤدي في المحصلة إلى استحالة فوز أكثر من مرشحين من نفس القائمة في أفضل الأحوال.

النتيجة "الصادمة" انعكست بشكل واضح في تركيبة القوائم المشكلة، والتي ضمت في غالبيتها مرشحاً قوياً يسخر المرشحين الآخرين لضمان فوزه بمقعد نيابي. وهو السلوك الذي أفرز مصطلح "الحشوة" لتعريف المرشحين الذين انضموا إلى قوائم من دون فرصة بالفوز، ودورهم الوحيد يتمثل بدعم المرشح القوي لدوافع عشائرية أو سياسية، أو كخدمة مدفوعة الأجر. ويحدد القانون الحد الأدنى لتشكيل القوائم بثلاثة مرشحين، وحد أقصى لا يتجاوز عدد المقاعد المخصصة للدائرة.


بالنظر إلى القوائم الأولية للمرشحين، فإن نحو 100 مرشح هم أعضاء سابقون في مجلس النواب الذي حلّه الملك في 29 مايو/أيار الماضي. وفضل 80 من هؤلاء تشكيل قوائم يغيب عنها نظراؤهم، في حين ضمت تسع قوائم أكثر من نائب من المجلس المنحل. وهناك ست قوائم تجنبت التنافس بين النواب السابقين من خلال ضم تشكيلة منهم، مؤلفة من مسلم ومسيحي أو شركسي، أو شيشاني، وامرأة، وبذلك يتنافس هؤلاء على مقاعد مختلفة. إضافة إلى ذلك، توجد ثلاث قوائم فقط من المتوقع أن يحدث فيها تنافس بين النواب السابقين أنفسهم.

في ما يتعلق بالمرشحات، فقد بلغ مجموعهن 255 سيّدة، بينهن أربع نساء مسيحيات، واثنتان من الشيشان/الشركس. وتشير خريطة الترشيحات إلى أن 200 منهن يتوزعن على القوائم بواقع مرشحة في كل قائمة. والحال أن ضم سيدة واحدة فقط يندرج في إطار حيلة تهدف إلى حصر حظوظ المرأة بالفوز بمقعد على الكوتا المخصصة لهن، وكي لا يشكل ترشح أكثر من امرأة على القائمة خطراً على المرشح القوي فيها، أو الرجل الذي يتزعمها.

بيد أن هناك 19 قائمة ضمت مرشحتين اثنتين في كل واحدة منها. وحرصت بعضها على تجنب حدوث منافسة بين المرشحتين من خلال اختيار واحدة مسلمة وأخرى مسيحية أو شركسية/شيشانية. أما القوائم التي ضمت أكثر من مرشحتين فبلغ عددها أربعة، إذ سجلت قائمة تضم ثلاث مرشحات ومرشحا واحدا، وأخرى خمس مرشحات وخمسة مرشحين، فيما سُجلت قائمتان مشكلتان من النساء فقط، الأولى مؤلفة من ثلاث مرشحات، والثانية من ثماني مرشحات، فيما غابت السيدات عن سبع قوائم.

وفي وقت لم يعلن فيه أي من الأحزاب السياسية، البالغ عددها 50 حزباً، مقاطعة الانتخابات النيابية، وإعلان غالبيتها عزمها المشاركة انتخاباً وترشحاً، إلا أن المشهد الانتخابي النهائي يشير إلى عدم وجود قوائم حزبية خالصة. حتى إن التحالفات الحزبية التي أعلن عنها، لم يتحالف أعضاؤها في قوائم مشتركة، كما حدث مع ائتلاف الأحزاب الوسطية الذي تشكل من عشرة أحزاب لأغراض انتخابية وسرعان ما تم حله. ولم يكن حضور ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية بالأفضل. فالائتلاف الذي مضى عليه سنوات ويضم ستة أحزاب تتقاطع إلى حد كبير في مواقفها السياسية تجاه القضايا الداخلية والخارجية، انقسم عشية الانتخابات نتيجة حسابات الفوز والخسارة، التي طغت على الحسابات السياسية.

الإسلاميون الممثلون بحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أعلنوا عن تحالف وطني لا يقوم على أسس حزبية. فقد سجلوا 20 قائمة لخوض الانتخابات، تتشكل من أعضاء من الحزب بالتحالف مع شخصيات عشائرية ووطنية وبعض الحزبيين، بناءً على علاقات اجتماعية أكثر منها حزبية. وضمت قوائم التحالف شخصيات مسيحية، لكن المفاجأة تتمثل بأن إحدى القوائم تضم شخصية معروفة بتأييدها لنظام بشار الأسد، الذي تقاسمه الحركة الإسلامية (الحزب والجماعة) عداءً معلناً. وتؤشر تركيبة التحالف تغليباً للمصالح الانتخابية على المواقف السياسية، لا سيما أن الحزب يشارك بثقل بعد مقاطعته الانتخابات مرتين متتاليتين.

أما الإسلاميون الممثلون بجمعية "جماعة الإخوان المسلمين"، التي رخصت مطلع مارس/آذار 2015 لتكون بديلاً عن الجماعة التاريخية المصنفة اليوم غير قانونية أو شرعية، فيشاركون في الانتخابات بالتحالف مع حزب المؤتمر الوطني، الذي يتكون أيضاً من شخصيات انشقت عن "الإخوان". وقدمت الجمعية والحزب ست قوائم غلب على تشكيلها أعضاء منهما.

وتظهر القوائم الانتخابية استمرار دور العشيرة في تشكيلها. فتتكون أربع قوائم من مرشحين ينتمون جميعهم لنفس العشيرة، وتتشكل قائمة من مرشحين ينتمون إلى عشيرة واحدة باستثناء مرشح من عشيرة أخرى للمنافسة على مقعد مسيحي. وينتمي مرشحو بعض القوائم إلى تفرعات عشائرية مختلفة، لكنها في النهائية تلتقي بالعشيرة الكبيرة. وبذلك فقد قامت العشيرة بالتكيّف مع التغيير الذي طرأ على القانون الانتخابي. فبعدما كانت في القانون السابق تقدم مرشحاً للعشيرة، أصبحت في ظل القانون الجديد تطرح قائمة للعشيرة.

فوضى القوائم في الانتخابات الأردنية، تنبئ بوصول مجلس نيابي قد لا يقل فوضى عنها، أو على الأقل مجلس لن يمثل الحد الأدنى للطموح السياسي الذي تحدث عنه الملك حول مستقبل البلاد الذي تشكّل فيه الحكومات من الأغلبية النيابية.