وقالت مصادر حكومية واسعة الاطلاع لـ"العربي الجديد"، إنّ الإجراءات التي يتخذها نجل السيسي في هذا السياق تتكامل مع دفعه بالاعتماد المتنامي على ضباط المخابرات المقربين منه والذين اختارهم بنفسه بعناية في الآونة الأخيرة، في وظائف قيادية غير تقليدية داخل الجهاز الإداري في الدولة وخارجه، كالمسؤولين عن منظومة تسويق تراث الإذاعة والتلفزيون، وتدشين المنصة الإعلامية الجديدة المملوكة للمخابرات "ووتشيت" التي حازت بالأمر المباشر على معظم محتوى مكتبة اتحاد الإذاعة والتلفزيون ومنعت إتاحته مجاناً على منصات التواصل الاجتماعي المجانية.
ويأتي ذلك أيضاً في ظلّ الاعتماد المتزايد على ضباط المخابرات الشباب المقربين من نجل السيسي والعشرات من المدنيين خريجي الأكاديمية الوطنية في العمل بالمشاريع المختلفة المتصلة بالأنشطة غير التقليدية للمخابرات، مثل شركة "إعلام المصريين" التي تضم شركات إنتاج تلفزيوني وصناعة محتوى إعلامي، و"بريزينتيشن" التي أدارت كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم للكبار الصيف الماضي، وتشرف حالياً على كأس الأمم الأفريقية للشباب.
وبالعودة لهدف التوغل داخل المستوى الأعلى من السلطة التنفيذية، أوضحت المصادر أن نجل السيسي يحاول استغلال حقيقة أنّ معظم الشخصيات العامة وكذلك قيادات الجهات الإدارية التي تمّ عرض المناصب الوزارية عليها، رفضت تولي المسؤولية، فضلاً عن رفض العديد من الشخصيات الاقتصادية البارزة العاملة داخل مصر وخارجها، وبعضها كان ينتمي لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، تولي منصب أكثر تميزاً ومسؤولية، وهو خلافة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي يتفق كل من نجل السيسي ومدير المخابرات عباس كامل على أنه لم يعد الشخص المناسب للمرحلة المقبلة.
وأضافت المصادر أنّ محمود السيسي يرى أنّ الوقت مناسب حالياً لإحكام السيطرة على الجهاز الإداري للدولة، بالدفع بأجيال جديدة موالية للسيسي وحده، وليست محسوبة على أي عهد سابق، خصوصاً أنّ الدفع بعدد من خريجي الأكاديمية، وما يسمى بـ"البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة"، الذي تم تدشينه قبل 4 سنوات، في مناصب عدة مثل مساعدي المحافظين والمتحدثين باسم بعض الوزراء، وفرضهم على دواوين عدد من الوزارات كمراقبين مثل ضباط الرقابة الإدارية الذين تم توزيعهم على تلك الدواوين، كان يهدف في الأساس لأن تكون لتلك الكوادر أولوية في قيادة الوزارات بعد سنوات معدودة.
وأشارت المصادر إلى أنه وعلى الرغم من التوتر السائد في العلاقة بين كبار القيادات الوظيفية في الوزارات وبين شباب البرنامج الرئاسي والأكاديمية الموزعين على معظم الوزارات منذ عامين تقريباً، وكذلك ضعف التكوين المهني والإداري لتلك الكوادر الشابة نتيجة الدفع بهم مبكراً في خضم العمل التنفيذي من دون سابق خبرات، إلا أنّ هناك أدوات عدة أصبحت تلك الكوادر تتمتع بها مما يمنحها أفضلية بقوة الأمر الواقع، منها دعم ضباط المخابرات والرقابة الإدارية المشرفين على عمل كل وزارة، ودعم الجهازين لعلاقة عدد منهم بوسائل الإعلام.
وذكرت المصادر أنّ دائرة السيسي تستهدف السيطرة الكاملة على الأدوات التنفيذية في الملفات الخدمية الكبرى التي تتعلق بحياة جميع المواطنين المصريين، أي وزارات التضامن الاجتماعي والصحة والتعليم والتموين. ولذلك، فمن المرجح أن يستهدف نجل السيسي الدفع ببعض خريجي الأكاديمية لمنصب وزير أو نائب الوزير لإحدى تلك الحقائب في حال تغييرها.
وتنتشر في الأوساط الحكومية حالياً أنباء عن اقتراب تعيين وزيرة التضامن الحالية غادة والي في منصب كبير في البنك الدولي، بعد ساعات من إعلان رحيل وزير الاستثمار المصري الأسبق محمود محي الدين عن منصب النائب الأول لرئيس البنك وترشحه لمنصب دولي آخر.
أما وزيرة الصحة هالة زايد، فتُعتبر أقرب الوزراء للرحيل في التعديل المقبل على خلفية تورطها في أزمة التصريحات التي أطلقتها في مجلس النواب نهاية الدورة البرلمانية السابقة عن ضعف التمويل المتاح للمشاريع القومية، وعلى إثرها قررت دائرة السيسي منع نشر أسماء وصور الوزراء في وسائل الإعلام.
يذكر أنه منذ عام تقريباً، أتم رئيس هيئة الرقابة الإدارية اللواء شريف سيف الدين، إجراءات تعيين دفعة جديدة من ضباط الرقابة الإدارية ضمّت العشرات من خريجي "أكاديمية الشباب والبرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة"، ضمن أول دفعة تعيينات بالهيئة لا تقتصر على ضباط الجيش والشرطة، وذلك بعد إجراء تحريات أمنية ورقابية مكثفة عنهم وعن عائلاتهم، لتضم الهيئة بذلك ضباطاً من خريجي الكليات المدنية، للمرة الأولى في تاريخها.
واعتمدت التعيينات للرقابة الإدارية على القانون الجديد للهيئة الذي صدر في عهد رئيسها السابق، محمد عرفان، والذي أجاز للمرة الأولى تعيين أعضائها من خارج الجيش والشرطة، كما استثنى الهيئة من اتباع الإجراءات المعمول بها للإعلان عن الوظائف في الأجهزة الحكومية المختلفة، ليتم التعيين من دون إعلانات مسبقة أو إجراء مسابقات تحظى ببعض سمات الشفافية.
وبحسب المصادر الحكومية، فإنّ برنامج السيسي لتأهيل الشباب أصبح متقاطعاً في العامين الأخيرين مع الدورات العسكرية والاستراتيجية التي يخضع لها في الأكاديمية الوطنية للشباب جميع المرشحين للعمل بهيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة ووزارة الخارجية وكذلك التعيينات الجديدة بالجهاز الإداري للدولة، بينما ما زال القضاء العادي ومجلس الدولة يرفضان إلحاق المرشحين الجدد للعمل فيهما، بالأكاديمية.
ومن بين المناهج التي يدرسها شباب السيسي في البرنامج والأكاديمية، دراسات عن حروب الجيل الرابع، واستهداف القوى العالمية لمصر، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة التيارات الإسلامية، والتطوير الإداري، والتخطيط السياسي والمالي، والقانون الدولي، والإدارة المحلية، و"الإتيكيت" والمراسم.