خرز أزرق

07 مايو 2016
لا مكان للحسد هنا (Getty)
+ الخط -
.. وكان يُقال إن لديهم شجرتي تين، وفي أرضهم خير وفير. وكان يقال إن الصواني التي تستخدمها النساء للضيافة تلمعُ مثل الذهب، والمفارش التي يضعنها على الطاولات الخشبية من حرير. ويقال كثيراً، وتطلق صفات من قبيل الحسد والجشع والطمع. وتُتلى أمثالٌ عن القناعة التي هي أشبه بكنزٍ لا يفنى، وأنها خير من الغنى، ومن لا يرضى بالقليل لا يرضى أبداً، والاتكال على حمارك خيرٌ من الاتكال على حصان جارك، وغيرها.. هذه العبارات، تظهر أمامك مثل "ضمير"، إذا ما استحليت شيئاً.

الاستحلاء نعمة. استحلى الشيء أي حَلِيه، ووجده أو عدّه حُلواً كطعم السُّكَّر، أو استلذَّه. والناس استحلوا التين والأرض والصواني والمفارش. وربّما استحلوا أثواباً مطرّزة وأحذية جلدية وجمالاً صنعته أدوات تجميل عالمية، أو فراشاً مريحاً ووسادة من ريش. وفي لحظات استحلائهم، يتذكرون القناعة، وأهمية النوم على وسادة وبالهم مرتاح، ولو كانت محشوّة بحجارة.

ونحن نحبّ لأنفسنا. فهل نقتنع ونفقد اللذّة؟ العينُ لا تجهد في النظر إلى ما حولها. كل شيء واضح أمامها من دون حاجة لها إلى النظر. العيون تدرك الفروقات وتصنعها، وما هذه الأمثال إلا محاولة لإغماضها ومنعها من النظر. وإذا ما نظرت تُستحضر جميع الأرواح الطاهرة لتأنيبها، وتلصق بها صفة الحسد، وتطلى الأمكنة بالأزرق لصده، وتتلى الأدعية ويشمّ البخور.
الأطفال يستحلون، وقبلهم الرضّع. بأطرافهم الصغيرة، يزحفون للفوز بألعاب رضع آخرين لمجرّد رؤيتها. ولأنهم لا يؤنّبون أنفسهم أو يحكمون عليها، يصرخون إذا ما خسروها. كأنّنا أعلنّا الخروج من الطبيعة من دون أن نتخلى عن إرث الغرائز، وهي جزء من الطبيعة. الاستحلاء غريزة والقناعة خدعة. فأن نقتنع يعني ألا نجرب امتلاك ما استحليناه. ما الفائدة من قناعةٍ مع حروقٍ في القلب، وعيون لم تعد تتّسع لما تستحليه؟

مجتمعات استهلاكية؟ خدعةٌ أخرى نبرّر فيها رغباتنا. قبلَ تكريس هذه المجتمعات، كانت الناس تستحلي. ولولا الاستحلاء، لما وجدت أصلاً. ونحن أدمنّا إخبار أنفسنا عن القناعة لنحميها من سوء. إذا ما استحلى أطفالنا جميع الألعاب في المتجر، نخبرهم أن هذا غير ممكن، ونفخر بأنفسنا لأننا نعلّمهم أنهم لن يحصلوا على كل شيء في الحياة. القناعة.. هذه الكذبة التي تخلق مزيداً من الفروقات بين الطبقات.

حين يولد الأطفال، نخبرهم عن كونٍ هو لهم. وحين يكبرون، نتركُ لهم فتاتاً منه، وقناعة وخرزاً أزرق. بعد قليل، تعودون إلى الطبيعة وتستحلون، وتستردّون كوناً ضاعَ خوفاً على الفضائل. ولا خوف من الحسد في عالم أزرق.

دلالات
المساهمون