خديعة ترامب

01 مايو 2017
+ الخط -
يقوم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بحملة تعبئة إقليمية ضد إيران، مستغلاً الهواجس من طموحاتها الإقليمية، وتحركاتها المتعدّدة في اتجاهاتٍ معاكسة للمصالح العربية، ولاستقرار المنطقة، غير أن القلق العربي المشروع لا يعني صدق ما يروّجه ترامب حول مواجهة إيران، فتوجهاته الشرق أوسطية لا تختلف كثيراً عن سابقيه سوى في الأسلوب. وتقدّم مرحلة جورج بوش الابن نموذجاً للنفاق الأميركي مع إيران. فعندما وقعت تفجيرات "11 سبتمبر" في عام 2001، رفع جورج بوش الابن شعار مكافحة الإرهاب، وبنى تحالفاته العربية على مواجهة العنف والتطرّف والإرهاب. وتوقعت الدول العربية وقتها أن إيران ستواجه حزماً وحسماً من الكاوبوي الأميركي، إذ كانت في الخطاب الأميركي الرسمي ركناً أساسياً في محور الشر في العالم، غير أن بوش نحّى جانباً اتهاماته لطهران، وبدأ ضرب أفغانستان، ثم احتل العراق بتنسيق وتفاهم تامّين مع إيران!
ليس الوضع في الوقت الراهن أفضل منه بالنسبة لإيران، فأي محاولةٍ لتطويقها، ولجم جموحها الإقليمي، سرعان ما ستصطدم بعدة عقبات. أولاها وأهمها أن العرّاب الأميركي لتلك الحملة ليس جاداً في مساعيه، ولم يكن يوماً صادقاً مع العرب في أي قضية. وبوجود شخصيةٍ مثل ترامب في البيت الأبيض، من السهل توقع أن يتخذ قراراً اليوم، ثم يتراجع عنه غداً.
لكن، حتى لو كان لأميركا اليوم رئيس آخر غير ترامب، تظل مواجهة طهران أمراً مستبعداً، فالدب الروسي لا يزال حليف إيران الأول على مستوى العالم. وليس التحالف بينهما مصلحة إيرانية فقط، بل روسية أيضاً وبدرجة أكبر. فبعد الاتفاق النووي، صارت طهران أقل احتياجاً وتبعية لموسكو، بينما في ظل العقوبات الأوروبية على الأخيرة، وتعقد ملفات أوكرانيا وسورية، صار التحالف الروسي مع إيران ركناً أساسياً في حسابات موسكو وتحرّكاتها الخارجية. هذا فضلاً بالطبع عن أن الاتفاقات الاقتصادية والتعاون التجاري والعسكري مع طهران صار مصدراً أساسياً لدعم الاقتصاد الروسي في مواجهة الضغوط الأوروبية.
وبينما تُبدي إدارة ترامب عدم رضا عن الاتفاق النووي، وتلمح تارةً إلى مراجعته، وتارة أخرى إلى فرض مراقبة دقيقة على التزام إيران به، يظل الأمر الواقع الجوهري أن الاتفاق قائم وينفذ، وتطبقه واشنطن مثل طهران. ويجب هنا استذكار مرحلة المفاوضات النووية التي استغرقت سنوات، قبل أن تطفو على سطحها حالة لهفةٍ أميركية للانتهاء من الاتفاق وإبرامه، على خلاف الأوروبيين، خصوصاً فرنسا، أي أن ما يرفضه ترامب حالياً أو يعلن تذمره منه، كان عملاً أميركياً أكثر منه أي شيء آخر. وبموجب الاتفاق، دخلت بالفعل في حزمةٍ من الاتفاقيات والتفاهمات الاقتصادية مع كياناتٍ اقتصاديةٍ غربيةٍ، وأخرى متعددة الجنسيات، بما يعنيه ذلك من مزايا ومصالح كبيرة، ستعود على الاقتصاد الإيراني، في مقابل واجبات وإجراءات ملتزمة بها، لضمان مصالح شركائها الاقتصاديين. بالتالي، فإن التلميح إلى الإطاحة بالاتفاق النووي، أو تجاهله، أو حتى تضييق نطاق تطبيقه، إضافة جديدة إلى جعجعة ترامب الشعبوية.
ومجمل ما يقوم به دونالد ترامب من تعبئةٍ إقليمية ضد إيران، يندرج ضمن الشعبوية الخطابية التي يُعرف بها. لكنه لا يعني، بالمرة، أن لدى الرجل أدنى استعداد لمنازلة إيران فعلياً، لا بالمواجهة المسلحة المباشرة، ولا حتى باستخدام أوراق ضغط تملكها واشنطن، كفيلة بدفع طهران إلى ترشيد سياساتها، إن لم يكن تعديلها. وأقصى ما يسعى إليه هو توريط الدول العربية في مواجهةٍ مع إيران، ليست بالضرورة مباشرة، لكن مع أذرعها ووكلائها في سورية وفي اليمن، وربما أيضاً في لبنان.
أميركا التي تؤكد أن الإرهاب هو الخطر الأول والأكبر، تتعامى عن إرهاب الحشد الشعبي في العراق. وتبارك مشاركة إيران، عبر أذرعها العراقية واللبنانية وغيرها، في محاربة التنظيمات الإسلامية المسلحة في سورية، فكيف نصدّق اتهامها إيران برعاية الإرهاب، ونشر عدم الاستقرار في المنطقة؟!.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.