خديعة الأسد في "التهدئة" الممدَّد لها: مجازر وحصار حلب

10 يوليو 2016
النظام لم يطبّق "التهدئة" بتاتاً (إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
أعلن نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، عن أول تهدئة من جهته لمدة 72 ساعة، بدأت يوم الأربعاء، بالتزامن مع عطلة عيد الفطر، سرعان ما تبيّن أنها كانت "مجرد خديعة"، كي تتقدم قواته لقطع طريق الكاستيلو، شريان المعارضة الوحيد إلى الأحياء الواقعة تحت سيطرتها في مدينة حلب (شمال البلاد)، ولارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين المحتفلين بالعيد. مع ذلك، عاد وأعلن النظام، أمس السبت، تمديد هذه التهدئة لـ72 ساعة إضافية، حتى يوم غد الإثنين.

وخلال التهدئة المزعومة، ارتكب النظام العديد من المجازر التي طاولت مدنيين في مناطق عدة في الشمال السوري، فقُتل وأُصيب العشرات من المدنيين، بينهم ثماني نساء وأربعة أطفال في بلدة كركوش في ريف إدلب على الحدود التركية ظهر يوم الجمعة. وتمّ نقل نحو 20 جريحاً إلى تركيا، نتيجة إصاباتهم الخطيرة، التي تعجز الكوادر الطبية في مناطق سيطرة المعارضة السورية بريف إدلب عن التعامل معها.

في هذا السياق، تفيد مصادر لـ"العربي الجديد"، أن "ضحايا الغارات على دركوش كانوا في غالبيتهم من النازحين إلى البلدة، من مختلف مناطق إدلب وحلب، التي تعرّضت في وقت سابق لقصف عنيف أدى الى تهجيرهم من منازلهم". كما أغار الطيران الحربي التابع للنظام خلال فترة سريان الهدنة، على بلدة كفرتخاريم القريبة من دركوش، موقعاً قتلى ومصابين بين المدنيين، كما شنّ غارات مماثلة على بلدة جسر الشغور في ريف إدلب. وأغارت طائرات يُعتقد أنها روسية، يوم الخميس، على أحياء داخل مدينة حلب، واقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، ما أدى إلى مقتل ستة أشخاص، بينهم أربعة أطفال.

غير أن التطور العسكري الأبرز خلال فترة التهدئة، كانت محاولة قوات النظام، ومليشيات إيرانية تساندها، محاصرة الأحياء الواقعة تحت سيطرة المعارضة داخل مدينة حلب، التي تضمّ أكثر من نصف مليون مدني، من خلال السيطرة على طريق الكاستيلو. وهو شريان هذه الأحياء الوحيد إلى ريف حلب الغربي، ومنه إلى محافظة إدلب.



وتقدمت قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معها، الخميس، إلى منطقة الملاح التي تشرف على الطريق الاستراتيجي، كي تسيطر نارياً عليه. وهو ما أدى إلى معارك كرّ وفرّ، لا تزال مستمرة، بفعل محاولة قوات المعارضة إبعاد قوات النظام، لتأمين الطريق لعودة مرور المدنيين عبره.

وتؤكد المعارضة السورية المسلحة، أن ما سمته "كذبة النظام" لم تنطل عليها، مشيرة إلى أنها "تدرك أن النظام يلجأ إلى الحيلة من وقت لآخر، لأنه متيقن أن قواته، والمليشيات الطائفية، باتت عاجزة عن التقدم في محيط حلب، بسبب البسالة التي تبديها فصائل الجيش السوري الحر في الدفاع عن المناطق التي تقع تحت سيطرتها، تحديداً طريق الكاستيلو". وتضيف أن "قطع الطريق يعني محاصرة مئات آلاف المدنيين في أحياء شرقي حلب، ما يعني وقوع مأساة إنسانية كبرى".

في هذا الصدد، يؤكد رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر، العميد أحمد بري، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "النظام سعى إلى خداع المعارضة من خلال إعلانه التهدئة"، مضيفاً أنه "كان النظام يظنّ أن مقاتلي الجيش السوري الحر سيصدقون ما أعلنه عن سريان الهدنة، فيتركون السلاح، كي تتقدم قواته بكل سهولة".

ويشير إلى أن "قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها، تكبّدت خسائر فادحة في محاولتها الفاشلة للسيطرة على طريق الكاستيلو، في مسعى منها لحصار حلب"، مؤكداً "مقتل وإصابة نحو 400 عنصر منها في معارك الملاح". وينوّه بري إلى أن "الطيران الروسي شارك في قصف قوات المعارضة السورية في منطقة الملاح"، لافتاً إلى أن "طيران النظام، والمقاتلات الروسية لم تغادر سماء المنطقة، منفّذة مئات الغارات التي لم تستطع أجبار مقاتلي المعارضة على التراجع".

ويضيف أن "الروس يقتلون السوريين في كل مكان بكل أنواع الأسلحة، بما فيها المحرّمة دولياً بحجة مكافحة الإرهاب، خصوصاً في شمال سورية، في مسعى لتهجير ما تبقّى من السوريين إلى خارج بلادهم". ويستغرب بري "الصمت الدولي على المذبحة المستمرة منذ سنوات بحق السوريين".

كما قتل وأصيب العشرات من المدنيين، مساء الجمعة، أثناء فترة سريان التهدئة التي أعلنها النظام، في حي الفرقان الحلبي، الذي لا يزال تحت سيطرة قوات النظام جراء قصفه بالقذائف والصواريخ التي يصل مداها إلى نحو 35 كيلومتراً، والتي لا تملكها قوات المعارضة السورية، وفق تأكيد قادتها في حلب.

من جهته، يعتبر المتحدث باسم "جيش المجاهدين" في حلب، النقيب أحمد أمين ملحيس، أن "النظام لم يخدع المعارضة السورية من خلال إعلانه التهدئة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "النظام خدع نفسه، وخدع المجتمع الدولي، وخدع مواليه فقط". ويؤكد ملحيس أن "الجيش السوري الحر مدرك تماماً ألاعيب النظام، ومن خلفه إيران، وروسيا، والمليشيات التي استجلبها من خارج سورية لقتل السوريين". ويُشدّد على أن "مقاتلي الجيش السوري الحر صامدون في منطقة الملاح شمال حلب، وقوات النظام والمليشيات لن تتمكن من محاصرة حلب. وأن قوات المعارضة ستبعدها عن أطراف طريق الكاستيلو".

ويضيف ملحيس أنه "يكفي الجيش السوري الحر فخراً وقوفه في وجه واحدة من أقوى دول العالم وهي روسيا، إضافة إلى إيران والنظام، والمليشيات متعددة الجنسيات"، مشيراً إلى أن "هذه القوى وضعت نصب أعينها قتل نصف مليون مدني في أحياء حلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة من خلال محاصرتهم". ويضيف "لقد ألقت هذه القوى كل ثقلها العسكري على مسافة لا تتعدى الكيلومتر المربع الواحد"، في إشارة منه إلى منطقة الملاح شمال حلب. وتؤكد منظمات حقوقية أن "عمليات قتل المدنيين لم تشهد تراجعاً كبيراً مقارنة مع الأيام التي سبقت الهدنة، ما يؤكد زيف هذه الهدنة، ويكشف غايات النظام الحقيقية وراء إعلانها المفاجئ".

في هذا السياق، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل 76 مدنياً على يد قوات النظام والمليشيات بينهم 11 طفلاً وثماني نساء، أي بمعدل أربعة أطفال في اليوم خلال أيام التهدئة. وذكرت الشبكة أن 29 من بين قتلى الهدنة كانوا في محافظة إدلب في شمال غرب سورية، و34 في محافظة حلب شمال سورية. كما سقط قتلى بين المدنيين في ريف دمشق، وحمص، ودرعا، ودير الزور. وأوضحت الشبكة في تقريرها أن "عمليات اعتقال المدنيين لم تتوقف هي الأخرى خلال الهدنة، بعد اعتقال النظام 29 شخصاً، بينهم امرأتان".


المساهمون