خديجة لن تترك المدرسة

04 يناير 2016
نحو ثلاثة كيلومترات يومياً... (العربي الجديد)
+ الخط -

يومياً، تسير نحو ثلاثة كيلومترات للوصول إلى المدرسة "إلا أن معاناتي تكون أكبر في فصل الشتاء". هذا ما تقوله خديجة باشوي (13 عاماً)، وهي تلميذة في الصف الإعدادي في إحدى مدارس قرية سيدي يحيى زعير في ضواحي العاصمة المغربية الرباط.

خديجة، حالها حال العديد من الفتيات القرويات، غالباً ما لا يجدن مؤسسات تعليمية قريبة من بيوتهن، وخصوصاً في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ما يدفعهن إلى التسرب من المدرسة والبقاء في المنزل، ما يؤكد الأرقام الرسمية التي تشير إلى أنّ 17 في المائة فقط من فتيات القرى يذهبن إلى المدرسة.

في السياق، تقول خديجة لـ "العربي الجديد" إنها تستيقظ في الصباح الباكر، لتبدأ يوماً متعباً لا ينتهي إلا حين تخلد إلى فراشها. تضيف أن أيامها تتشابه إلى حد بعيد، وتصفها بـ "المنهكة". مع ذلك، تبدو مصرة على متابعة طريقها. تضيف أنه في كثير من الأحيان، تستيقظ والظلام ما زال يلف بلدتها الصغيرة. تتناول الفطور الذي تحضره لها والدتها المسنة أو والدها الذي يعمل فلاحاً في أحد الحقول الزراعية في ضواحي الرباط، قبل أن تهيئ محفظتها وترتدي وزرة المدرسة، وتغادر البيت. والداها يشجعانها على المتابعة على الرغم من الصعوبات. يريدان لابنتهما أن تحمل شهادة، وتحقق النجاحات تلو الأخرى.

تتابع خديجة أن مدرستها تبعد كثيراً عن بيتها، أي نحو ثلاثة كيلومترات. لذلك، "أضطر إلى الخروج من البيت في وقت مبكر، ولا يهم إن كان الطقس بارداً أو حاراً. عليّ الخروج في الوقت المحدد حتى أستطيع اللحاق بزملائي وغناء النشيد الوطني قبل دخول الصف". أحياناً، لا تفكر هذه التلميذة في الوقت الذي تقضيه على الطريق. أكثر ما يشغل بالها هو الوصول في الوقت المحدد، حتى لا توبّخ من قبل إدارة المؤسسة التعليمية التي تدرس فيها، وتتمكن من متابعة دروسها بانتظام من دون أن تتغيب عن الحصص الصباحية الأولى.

من جهة أخرى، تلفت خديجة إلى أنها تعرف صديقات كثيرات اضطررن إلى الانقطاع عن الدراسة بسبب بُعد المسافة من البيت إلى المدرسة، ووعورة الطريق وخصوصاً في فصل الشتاء، مشيرة إلى أن عقلية العديد من الآباء القرويين أيضاً تجبر الفتيات على مغادرة مقاعد الدراسة.

وتقول خديجة إنها تذهب إلى المدرسة إما سيراً على الأقدام إذا كان لديها الوقت الكافي لذلك، وحيدة أو برفقة زميلاتها، أو تستعين بدراجة شقيقها الهوائية التي تركبها حاملة حقيبتها الثقيلة، لتمضي غالبية ساعات نهارها داخل أسوار المدرسة.

وتشرح خديجة أنه في الصباح الباكر، تحمل معها داخل حقيبتها المدرسية وجبة غذاء داخل كيس بلاستيكي، وخصوصاً في الأيام التي تذهب فيها إلى المدرسة سيراً على الأقدام، لأنها لا تملك الوقت الكافي للعودة إلى البيت أثناء استراحة الغذاء، ما يدفعها للمكوث في المدرسة أو خارجها لتناول الطعام.

اقرأ أيضاً: بسطاء المغرب أبطال شعبيّون

لدى هذه التلميذة الكثير لتقوله. أمور كثيرة تضايقها خلال تنقلها من البيت إلى المدرسة أو العكس. مع ذلك، تبدو مصرة على تحدي جميع الصعاب والعراقيل بهدف تحقيق هدفها. تحكي عن صعوبة التنقل وخصوصاً في فصل الشتاء والبرد القارس، بالإضافة إلى تحرش البعض بها أثناء تنقلها من المنزل إلى المدرسة أو العكس.

تقول خديجة إن أكثر ما يضايقها هو أن تضطر إلى الاستيقاظ قبل أن تشرق الشمس، مشيرة إلى أن المنطقة تكون موحشة إلى حد كبير، وتشعرها بالخوف. لذلك، تفضل السير مع زميلاتها اللواتي يقطنّ في البلدة نفسها، أو تلك القريبة. هذا يشعرها أكثر بالأمان.

تتابع خديجة أنه خلال عودتها إلى البيت، وخصوصاً في فصل الشتاء، يحل الظلام باكراً، ما يجعل عودتها إلى المنزل صعبة بعض الشيء، وخصوصاً أنها لا تشعر بالأمان. أمر دفع عدداً من أولياء أمور التلاميذ إلى مطالبة المدارس بإلغاء الحصة الأخيرة، والعمل على تعويضها بطرق أخرى حتى لا يضطر التلاميذ إلى العودة إلى بيوتهم في الظلام، وبالتالي حمايتهم من احتمال اعتراض طريقهم من قبل اللصوص أو قطاع الطريق.

مشكلة أُخرى تزعج خديجة، وهي التحرش الذي تتعرض له في بعض الأحيان، أثناء ذهابها إلى المدرسة أو عودتها منها. وغالباً ما يكون هؤلاء مراهقين. ويتكرر الأمر أيضاً حين تكون برفقة زميلاتها. أو تسمع عبارات الاستهزاء حين تركب دراجة شقيقها الكبيرة، الأمر الذي يؤثر سلباً عليها.

خديجة ليست الفتاة الوحيدة التي تعاني من هذه المشكلة. بل إن آلاف الفتيات القرويات يواجهن عقبات كثيرة ليتمكن من استكمال دراستهن وتعليمهن، الأمر الذي دفع وزارة التربية الوطنية إلى إنشاء لجنة خاصة لدعم تعليم الفتيات في القرى والأرياف، وقد أقرت منحاً مالية بهدف الحد من العوامل التي تؤدي إلى انقطاع الفتيات القرويات عن دراستهن بسبب البعد عن المدارس بخاصة.

على الرغم من جميع الصعوبات، لا يبدو أن خديجة يمكن أن تستسلم بسهولة. لديها أحلام كثيرة تودّ أن تحقّقها.

اقرأ أيضاً: حرّاس أمن مغاربة بشهادات جامعيّة
المساهمون