وضرب الوالي مثلاً بإعلان الجيش المصري عن "توليه تطوير طريق شبرا/بنها، وطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، وتحصيل الرسوم من المواطنين العابرين فيه، حتى هدم مبنى الحزب الوطني الذي صدر قبل عدة أيام عُهد إلى الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة".
وأضاف: "رغم تولي الجيش الكثير من المشروعات في البلاد، إلا أنه لا يوجد إحصاء بنسبة مشاركة القوات المسلحة في الاقتصاد، ولا بيانات عن أرباح شركاته أو ميزانياتها وهو ما يمنع محاسبته في حال اتضح احتكاره لقطاع معيّن، لأنه وفي حال وصلت نسبة سيطرة شركة على قطاع معين بين 30% إلى 35% تعتبر محتكرة لهذا المجال، وهو ما سيتم التعامل معه من خلال قوانين منع الاحتكار وحماية المنافسة".
وأكد الولي أن "تدخل الجيش في الاقتصاد له تأثيرات سلبية عدة على اقتصاد البلاد".
ولفت إلى أن "مشروعات الجيش لا تدفع الضرائب، وتمتلك عمالة رخيصة، وهو ما يساعدها في حال تقدمت بعروض لاستلام المشروعات على حساب القطاع الخاص، بالإضافة إلى تولي القوات المسلحة مشروعات بالأمر المباشر، وهو ما يعني القضاء على المنافسة وخسارة القطاع الخاص".
وخلصت الدراسة سالفة الذكر، والتي وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منها، إلى أن نفوذ الجيش في الاقتصاد المصري بدأ في خمسينيات القرن العشرين، لافتة إلى أن هذا النفوذ جاء في إطار أنموذج التنمية السائد آنذاك، والذي حدّد الجيش على أنه طرف رئيس في التصنيع المحلي والتحديث الاقتصادي، مشيرةً إلى أنه تحت شعار "التنمية التي تقودها الدولة"، احتلّ القطاع العام دوراً مركزياً في النمو الاقتصادي، وأصبح الجيش المصري قاطرة الصناعة والمزوِّد للخدمات العامة.
ووفقاً للدراسة، فإنه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي قاد مصر من عام 1954 إلى عام 1970، وُجِّهَت موارد الدولة نحو الجيش الذي لعب مهندسوه ومقاولوه الدور الرئيس في مشاريع استصلاح الأراضي، وإقامة البنى التحتية العامة، وتوفير السلع الأساسية، والصناعة المحلية للأجهزة الاستهلاكية والإلكترونيات، وكذلك إنتاج السلع الصناعية والزراعية كالفولاذ والسماد.
وذكرت أنه في عهد خليفة عبد الناصر، أنور السادات، حدث تحوُّل محدود في الأنشطة الإنتاجية للجيش، فقد جرى التركيز على الصناعات الأكثر ارتباطاً بالدفاع، بيد أن السادات لم يؤسّس وحسب الهيئة العربية للتصنيع لهدفٍ رئيسٍ هو صناعة الطائرات العسكرية، بل حوّل أيضاً تركيز مصر الدبلوماسي من الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة، موضحة أن هذا يعود جزئياً إلى أن الأميركيين كانوا مصدراً يُعتَدّ به أكثر للعتاد العسكري والتكنولوجيا والتدريب.
وأضافت أنه مع تداعي سلطة مبارك، ضاعف الجيش جهوده لإبرام اتفاقات إنتاج مشترك مع شركات دفاع أجنبية، الأمر الذي لم يعنِ فقط توفير فرص أفضل لصادرات مستقبلية، بل أيضاً الحصول على مداخل إلى تكنولوجيات جديدة ومواقع محتملة للضباط في مشاريع مرموقة.
وبعد انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر في منتصف 2012، فإن ما يثير الدهشة، بحسب الدراسة، هو أن المبادئ الدستورية نفسها التي تضمّنت الحصانة القانونية للجيش، والتي أثارت سابقاً إدانة عنيفة وقاسية من قِبَل حزب الحرية والعدالة، أُدخِلَت في خاتمة المطاف إلى الدستور الذي عُرِضَ على مرسي في كانون الأول/ديسمبر 2012، كما تم في الدساتير اللاحقة ضمان إعفاء الجيش من الحظر على العمل الإجباري (ما سمح باستمرار نظام أعمال الخدمة في الجيش)، وأيضاً ضمان سريّة المؤسسات المالية الخاصة بالقوات المسلحة.
ولفتت إلى أن هذه التسوية المؤقّتة بين حزب الحرية والعدالة والجيش أثبتت أنها من عمر الورود، بعد إعلان مرسي الانفرادي الخاص بإنهاء خصخصة شركات القطاع العام، والذي قضى على السردية عن وفاقٍ بين القوات المسلحة وحزب الحرية والعدالة، لأن المصانع العسكرية كان يُحتمَل أن تكون على خط الخصخصة في الجولة التالية من عملية البيع.
ورسمت الدراسة بعض السيناريوهات المستقبلية المتوقعة بخصوص نفوذ القوات المسلحة على النحو التالي:
- الانقسامات في الجيش يمكن أن تطفو إلى السطح، وقد يتسبّب تصاعد نفوذ حلفاء الجيش الجدد بانشقاقات كانت مغمورة، في سياق صراع الأجنحة، للحصول على حصة في الحقل الاقتصادي والسياسي الجديد.
- الأدلة التي تشير إلى أن الجيش عمل في الكواليس لإثارة الاحتجاجات وإضعاف خصومه قد تُضعِف نفوذه، والمعلومات التي بدأت تظهر في أواخر عام 2014 حول دور الجيش المباشر في تمويل الاحتجاجات المناهضة لمرسي، وتلاعب القيادة الواضح بالنظام القضائي والإعلام، قد تدقّ في نهاية المطاف إسفيناً بين النظام وداعميه الليبراليين.
- قلق الجيش الأكبر ليس التهديد الذي يمكن أن تتعرّض إليه إمبراطوريته الاقتصادية، بل عودة الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، إذا اضطرت حكومة يقودها الجيش إلى الطلب من القوات المسلحة قمع الاحتجاجات عن طريق العنف، فقد يواجه هو خطر حصول انشقاق داخلي وأزمة شرعية.
اقرأ أيضاً: بيزنس الجيش.. وفقراء مصر