أنهكت الحرب المستمرة في اليمن الشعب كباراً وصغاراً، ولم يعد الحديث عن الموارد الاقتصادية في ظل الفقر والبطالة موضوعاً مجدياً بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد، فأكثر من 5 ملايين طفل يعانون من المجاعة، أو يعانون من أوضاع صحية سيئة بسبب نقص الغذاء، وفق منظمة أنقذوا الأطفال "سايف ذي تشيلدرن".
ليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها أطفال اليمن، فالحرب التي بدأت قبل أكثر من ثلاثة أعوام، أدخلت البلاد في نفق مظلم، إلا أن خطر المجاعة بدأ بالارتفاع منذ بداية العام الأخير بسبب نقص الموادّ الغذائية.
وحسب منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، يمكن تعريف المجاعة بأنها نقص حادّ في تناول الموادّ الغذائية الرئيسية، ويحتاج الإنسان إلى 2100 سعر حراري يومياً، وإن تناول كميات أقل من المعدل المطلوب لفترات طويلة يؤدي ذلك إلى حدوث المجاعة، والمتفق عليه أن نحو 20 في المئة من سكان الأرض لا يتناولون المعدل الطبيعي اليومي للتغذية، و30 في المئة من الأطفال حول العالم يعانون من سوء التغذية.
قبل شهرين، أعلن برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة أن نحو 18 مليون يمني (64 في المئة من السكان) لا يعرفون من أين سيؤمنون وجبتهم التالية، كما أن نحو 8 ملايين يمني (28 في المئة من السكان) باتوا على مشارف مجاعة حتمية، ونحو 3.5 ملايين يمني يعانون انعدام الأمن الغذائي.
وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، إلى أن معدل الوفيات بين أطفال اليمن بسبب تداعيات الحرب وصل إلى طفل كل عشر دقائق، وحسب المنظمة فإن حياة 400 ألف طفل مهددة بسبب نقص التغذية، ومن الممكن أن يموتوا في أي وقت.
وتفيد أرقام مؤسسة "أوكسفام"، بأن النزاع في اليمن تسبب بحدوث أسوأ كارثة إنسانية منذ سنوات، وأسفر عن مقتل 4971 مدنیاً وجرح 8533 آخرين منذ مارس/ آذار 2015، فيما اضطر 2.9 مليون شخص إلى ترك منازلهم، ويحتاج 20.7 مليون شخص، أي أكثر من 75 في المئة من السكان، إلى المساعدة الإنسانية والمساعدة في مجال الحماية، منهم 9.8 ملايين شخص في حاجة ماسّة للمساعدة، فيما يعاني 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، ويعاني 462 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحادّ.
سورية
مزق الصراع الدائر منذ 2011 أوصال الحياة الطبيعية في أنحاء سورية، وشرد وهجر الملايين، كما أدى إلى ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية الشحيحة بالأسواق، الأمر الذي أدى إلى تفشي المجاعة.
وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن 5.5 ملايين سوري مهددون بخطر المجاعة، وبحاجة إلى المساعدات الغذائية، بعد ارتفاع تكلفة الموادّ الغذائية سبعة أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة، وأن الاشتباكات المستمرة منذ 2011، أثّرت سلباً على إنتاج الحبوب.
نيجيريا
وتعاني مناطق شمال شرقي نيجيريا من أوضاع إنسانية صعبة، بسبب الصراع مع جماعة "بوكو حرام"، وتسبب العنف الدائر بحسب الأمم المتحدة، في حصول أزمة إنسانية بالغة الخطورة شملت تشريد 1.8 مليون شخص، كما يعاني 9 ملايين من انعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن وجود مليوني طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية، وكشفت منظمة "يونيسف" العام الماضي أن أكثر من 75 ألف طفل يواجهون خطر الموت بسبب المجاعة التي تتعرض لها مناطق شمال شرق نيجيريا.
العراق
تشير تقديرات الأمم المتحدة، إلى أن نحو 4.4 ملايين شخص في مختلف أنحاء البلاد يحتاجون إلى المساعدات الغذائية، وارتفع عدد الجياع بعد عام 2014 بسبب سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق عدة، واندلاع الصراع لاستعادتها، وحسب تقارير رسمية، يعيش نحو 30 في المئة من العراقيين تحت خط الفقر، وتواجه البلاد تحدّياً صارخاً متعدّد الوجوه في مجال الأمن الغذائي، بحسب تقرير لمركز كارنيغي.
جنوب السودان
في عام 2017، أعلنت الأمم المتحدة أن المجاعة بدأت تضرب أجزاءً من ولاية الوحدة الواقعة في أعالي نهر النيل، وحذرت من إمكانية انتشار المجاعة بسرعة كبيرة إلى بقية الولايات، وتأثر أكثر من 100 ألف شخص من جراء الحرب الأهلية السودانية، والانهيار الاقتصادي في البلاد، وقال برنامج الأغذية العالمي إن 40 في المئة من سكان جنوب السودان (4.9 ملايين شخص)، في حاجة للطعام على وجه السرعة، وحذرت "يونيسف" بداية العام الحالي من أن 5 ملايين شخص يعانون قلة الغذاء في البلاد.
الصومال
عانت البلاد من ويلات المجاعة لسنوات، وحسب منظمة "يونيسف"، فإن شبح المجاعة يهدد حياة أكثر من 11 مليون شخص في الصومال، ويتطلب الأمر تدخلاً عاجلاً لتفادي وقوع كارثة إنسانية واسعة النطاق، إذ يحتاج 40 في المئة من السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة، ويقدر عدد الذين فارقوا الحياة نتيجة المجاعة في السنوات الماضية بنحو 4.6 في المئة من مجموع السكان، ونحو 10 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة فارقوا الحياة في مناطق جنوب ووسط الصومال بسبب المجاعة.
المجاعة عالمياً
تتعدد أسباب ارتفاع نسب المجاعة في العالم، ففضلاً عن الحروب والنزاعات، يظهر ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية، وانعدام القدرة الشرائية عند المواطنين، وغيرها من الأسباب التي رفعت أعداد الذين يعانون الجوع عالمياً في 2017 إلى 821 مليون شخص، أي إنّ شخصاً واحداً من كل 9 أشخاص يعاني الجوع.
وحسب منظمة الأمم المتحدة، يتوزع عدد الجياع حول العالم على القارّات المختلفة، إذ يبلغ عدد الجياع في قارة آسيا 515 مليوناً، وفي أفريقيا 256.5 مليوناً، فضلاً عن 39 مليون جائع في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
ونتيجة ذلك، يعاني الأطفال دون سنّ الخامسة من مشاكل صحية عدة بينها التقزم والهزال، ويصل عدد الأطفال الذين يعانون التقزم إلى 150.8 مليون طفل، أي نحو 22 في المئة من عدد الأطفال عالمياً، ويعاني 50.5 مليون طفل من الهزال.
وعرفت البشرية المجاعة الواسعة عدة مرات خلال القرن الماضي، لأسباب متعددة بينها الحروب والنزاعات، والتغير المناخي، وتقلص حجم الأراضي المزروعة، وغيرها، وحسب تقارير مؤسسة faminefacts فإن عدد الجياع حول العالم في عام 1900، بلغ نحو 5.3 ملايين نسمة، وارتفع في عام 1920 إلى نحو 16 مليون نسمة، ثم انخفض إلى 12.2 مليون نسمة في 1930، قبل أن يشهد أعلى موجة مجاعة في التاريخ عام 1940 ويسجل نحو 18.6 مليوناً بسبب الحرب العالمية الثانية.
وانخفض العدد إلى 16 مليوناً في 1960، ووصل إلى 1.3 مليون في ثمانينيات القرن الماضي، ثم بدأ بالارتفاع تدريجياً منذ عقد التسعينيات.