خادم المسجد المتحرّش

26 نوفمبر 2015
يخشى بعض الأطفال البوح بما تعرّضوا له (حسين بيضون)
+ الخط -

في ذلكَ اليوم، استخدم ف. سيارة المسجد الذي يخدمه في بيروت للخروج مع الأطفال. لم يتردّد، بحسب اتهامات له، في التحرّش ببعضهم من خلال النشاطات التي ينظّمها المسجد ويُشرف هو عليها. عادةً ما يؤدي المصلّون صلاة العصر في أحد مساجد منطقة رأس النبع في بيروت، ويغادرون إلى أعمالهم، باستثناء شابين قصدا مكتب إمام المسجد وأغلقا الباب خلفهما. تخلّلت الزيارة القصيرة مقاطعات عدة من لاجئين سوريين ومحتاجين لبنانيين. وأثناء مغادرتهما، قال لهما الشيخ: "إن شاء الله خيراً".

قلّة فقط من رواد المسجد عرفت بفحوى الزيارات المتكرّرة لهذين الشابين وآخرين، والتي هدفت إلى تحذير الشيخ من انتشار أحاديث بين عدد من الناشطين ضمن الجمعيات الإسلامية والأندية الرياضية والكشفية عن تحرّش خادم المسجد ومسؤول النشاطات (ف.ح.) بأطفال شاركوا في نشاطات من تنظيمه.
خلال عام، كان هناك توثيق لعشر حالات سجلها عدد من مسؤولي النشاطات الشبابية الحاليين والسابقين في هذه الجمعيات، بعد مصارحة عدد من الأطفال الذين تعرضوا للتحرّش.

عشر ضحايا

يتحدّث حسام (اسم مستعار)، وهو ناشط في الجمعيات الإسلامية لـ"العربي الجديد"، عن كيفيّة توثيق هذه الحالات. بداية، يشير إلى "تفضيل الأطفال الحديث مع المسؤولين الشباب في الجمعيات بدلاً من أهلهم خوفاً من ردة فعلهم". بدأت خيوط القصّة تظهر مطلع العام الحالي، مع وصف كثير من الأطفال خادم المسجد بـ"اللوطي" (مثلي الجنس). وصل الأمر إلى مسؤولي النشاطات بشكل سريع. ولدى محاولة حسام الاستفسار من الأطفال الذين علت أصواتهم خلال الحديث عن "حركات ف."، أخبره أحمد (اسم مستعار) بأن ف. تحرّش به قبل ثلاث سنوات، حين كان عمره 17 عاماً. "وهذا اعتراف يتيم لم يكن ممكناً رفع قضية بسببه"، يقول حسام. لكن اعتراف طفل آخر (14 عاماً) بتعرّضه للتحرّش قبل أسابيع قليلة فقط، دفع الشباب الناشطين إلى محاولة إحصاء عدد الأطفال الذين تعرضوا للتحرّش وزيارة إمام المسجد لمُصارحته بالموضوع. وهذا ما حصل. راجعوا أسماء جميع الأطفال الذين شاركوا في نشاطات كان لـ ف. دور فيها، وحصروا عدد الأطفال الذين تعرضوا للتحرّش وفئاتهم العمرية، ليتبين أنه تحرّش بأطفال كثيرين من مُختلف الأعمار.

وبعد انتهاء الإحصاء استقبل الشيخ أربعة أطفال من مُختلف الأعمار والجمعيات واستمع إلى إفاداتهم، منهم أحمد الذي تحدث لـ "العربي الجديد" عما تعرّض له، رافضاً كشف اسمه الحقيقي. كان أحمد قد شارك في نشاطات المسجد المُختلفة مع أصدقائه، وقصدوا مخيم المسجد الذي يُشرف عليه ف. في إحدى مناطق محافظة جبل لبنان. وكان الأخير يشرف على المخيم بشكل كامل، من نقل الأطفال إلى تحضير المكان قبل موسم الصيف وإقامة النشاطات الدينية والرياضية، وصولاً إلى تحصيل مبالغ الاشتراك من الأطفال.

قبلَ ثلاث سنوات، عرض ف. على أحمد مساعدته في تحضير المخيم خلال عطلته الصيفيّة لاستقبال الأطفال. يضيف: "قصدنا المخيم وحدنا قبل يوم واحد من وصول الأطفال، ونمنا في غرفة ف. المستقلّة عن بقية أقسام المخيم. كان كلّ شيء يسير بشكل طبيعي إلى أن استيقظت ليلاً لأجده مُلتصقاً بجسدي ويده داخل بنطالي". تذرّع أحمد بضيق التنفس ليُغادر الغرفة وهو تحت الصدمة. بقي في الخارج لدقائق "قضيتها بين الخوف من ردة فعل ف. وبين الصدمة من التجربة". وعندما عاد الطفل إلى الغرفة "كان ف. قد نام، أو تظاهر بذلك. وعند أذان الفجر، استفاق وصلى وحده من دون أن يحاول إيقاظي للصلاة كعادته، قبل أن يغادر إلى بيروت لاصطحاب الأطفال إلى المخيم". في الليلة التالية، نام أحمد مع بقية الأطفال في الخيم وتجنب الاحتكاك بـ ف.، "وأخبرتُ أصدقائي بما حدث وطلبت منهم الابتعاد عنه". كذلك، أكد طفل آخر لـ"العربي الجديد" تحرّش ف. به في مخيم آخر تابع لأحد الأندية الكشفية في جبل لبنان.
ويؤكد أحمد تعرّض شقيقه الأصغر للتحرّش أيضاً، وقد "اعترف لوالدي الذي أصر على رفع دعوى قضائية قبل أن يترك الأمر لحركة الشباب الناشطين".

عتب

وعلمت "العربي الجديد" أن شباباً آخرين قصدوا مكتب الأوقاف التابع لدار الفتوى في بيروت، وأبلغوا أحد المشايخ المسؤولين عن قضايا مماثلة بما يحصل، لتنتهي القضية مجدداً عند إمام المسجد بعدما اتصل به الشيخ المسؤول معاتباً إياه على تأخر حلّ الموضوع. من جهته، بدا إمام المسجد حريصاً على عدم انتشار خبر التحرّش "حفاظاً على سُمعة المسجد والدين"، وهو ما عبّر عنه خلال لقاء مع الأطفال. وأكّد لهم أن هناك دلائل كثيرة على صحة ما يقولون "وهو ما سنعمل على حله".
ويشير حسام إلى أن الشيخ واجه ف. بالأمر، لكنه أنكر جميع التهم الموجهة إليه، لافتاً إلى أنه يلعب بخشونة مع الأطفال، واعداً إياه بالكف عن ذلك. في المقابل، يُعرّف الأطفال اللعب الخشن بـ "تحسّس أعضائهم الحساسة أثناء المُصارعة، وملامسة جسده لأجسادهم بشكل مُبالغ".

لدى تكرر الزيارات والشكاوى الشبابية، يقول حسام إن الشيخ أبلغنا بمنع ف. من زيارة المخيم مع الأطفال من دون مرافقة تمهيداً لمنعه من زيارة المُخيم بشكل كامل. لكن زيارة الصفحة الشخصية لـ ف. على "فيسبوك" تشير إلى أن نشاطاته "الدعوية" مستمرة، وكان آخرها تنظيم إفطار يوم عاشوراء في مدرسة تابعة لإحدى الجمعيات الإسلامية في بيروت، بالإضافة إلى نشاط رياضي، عدا عن زيارات دورية إلى المخيم برفقة أطفال الجمعيات. ويُبدي مسؤولو الجمعيات تخوّفهم من وجود حالات تحرّش إضافية "استجاب لها أطفال أو منعهم الخوف الشديد من التحدث عنها".

إلى ذلك، أدى اتّهام ف. بالتحرّش إلى طرح علاملات استفهام عن هويّته وتاريخ عمله. من جهته، يقول إمام المسجد إنه (أي الخادم) "اعتاد ارتياد المسجد منذ عشر سنوات، وقد شهد له أهل المسجد بالتقوى والصلاح".
وبالإضافة إلى تنظيم نشاطات شبابية، علمت "العربي الجديد" أن ف. يُشرف على مشروع تجاري تابع للمسجد لتوزيع مياه الشفة ضمن نطاق بيروت، كما يُساعد في إدارة النادي الرياضي الواقع أسفل المسجد.

اقرأ أيضاً: أطفالٌ يغتصبون أطفالاً في لبنان