02 يونيو 2020
حياة جديدة
انتصار الدنان
على الرغم من الوجع، وبرغم الألم، وحرقة الفرقة، ومر التشرد، ما زالت أميرة تحمل في جعبتها بوارق أمل، وزهرٍ ربيعيٍّ، يشبه برقوق بلدها الّذي لم تولد فيه.
على درج الجامع، كانت تجلس، تضع على رأسها غطفة صلاة، لا يتعدى عمرها التّسع سنوات، تضحك لعدسة الكاميرا الّتي تُصوب نحوها، ظانّة أنّها ستحظى بالشّهرة، كأطفال عديدين تبهرهم عدسات الكاميرا، وللصّحفيّة الّتي لم تطرح أسئلة عليها.
قامت أميرة من مكانها، ومشت خلف الصّحفيّة، بعد أن تحسّست منها إهمالًا، ونكزتها من الخلف. استدارت الصّحفيّة نحو أميرة، وتبسّمت، ثمّ سارت، لكنّ أميرة ظلّت مصرّة على اللّحاق بالصّحفيّة، وقالت لها: ألا تريدين أن تسأليني كيف خرجنا من بيتنا عندما اشتد انهمار القذائف والرّصاص فوق البيوت؟
تبسّمتِ الصّحافيّة، وقالت: "أنتِ صغيرة، أتستطيعين التّحدّث"؟
قالت أميرة: "كنّا في البيت لحظتها، فمنزلنا يقع قرب المستشفى الّذي يتمّ نقل المصابين إليه، فخاف أبي علينا، وطلب منّا الخروج. لم نحمل معنا أمتعتنا، فقط صرنا نركض في الشّارع، وتوجّهنا إلى الشّارع التّحتاني للمخيّم، ومن ثمّ وصلنا إلى مسجد الموصلّلي.
وببراءة الأطفال، قالت لها:" ليس لدينا فراش لننام عليه، ولا أغطية تقينا البرد ليلًا". "إيمتا رح يريحونا عالبيت"؟ وبكت، وقالت:" كانت جارتنا أم أحمد تركض في الشّارع دامعة العينين، أنا رأيتها عندما كنت أركض في الشّارع أيضًا، تحمل بيديْها الاثنتيْن بعض الأكياس الّتي تحوي بقايا من ذكرى، ذكرى بيت في المخيّم، يقع في الطّبقة الثّانية من المبنى، تكوّم فوق ركام محلٍّ كان لبيع الأحذية. لم يحترق بيتها، ولم يُحرق أثاثه، لكنّه وقع. كانت أمّ محمّد تحمل الأكياس، والدّموع تنسال على خدّيْها، تنصبّ كنهر بردى الحزين.
جاءت جارتنا أم محمّد من اليرموك لاجئة، سبعينيّة،هي فلسطين، حالها كحال سيّدة المخيّم، سبعينيّة، لا تعلم إلى أين ستروح خارج المخيّم، قد تلتحف رصيف الشّارع البارد. فلسطين تلفظ أبناءها، حتّى في المخيّم.
اقتربت منها الصّحافيّة، فقالت لها:" أنا عمر من التّعب أرخى ظلّه عند عتبات اللّيل، وسار خلف القمر، حتّى لا يندثر، أنا كالعنقاء في غربة الشّقاء لا تهاب الموت، ولا تهوى العودة إلى الوراء، أنا كالصّخر الّذي لن تفتته الغربة والتّرحال.
توقّفتِ الاشتباكات في المخيّم، وأميرة الصّغيرة عادت، لتجد بيتها والأرض سيّان. تبسّمت، ربّما لأنّها لا تدرك حجم المعاناة، أم لأنّها تدرك أنّه قدرها الّذي تعيشه. تلفّتت حولها، فشاهدت محمّدًا يقف أمام عربة الزّهور الّتي يجرّها يوميًّا في المخيّم، يبيع الورد في زمن الدّمار، يهب الحياة في زمن الموت. اقتربت أميرة منه، فقطف وردة حمراء وقدّمها إلى أميرة، ليطرد شبح الموت.
تركته أميرة، وعادت لتتفقّد المنطقة الّتي كان لها فيها بيت، سارت ببطء فوق الطّلقات الفارغة المرميّة على الأرض. سمعت لينا تقول:" قتلوا أحلامي، وأحلام أولادي. فهم يسألونني عن لعبهم، وملابسهم، وكتبهم".
وأميرة تسير، وتبتسم.
على درج الجامع، كانت تجلس، تضع على رأسها غطفة صلاة، لا يتعدى عمرها التّسع سنوات، تضحك لعدسة الكاميرا الّتي تُصوب نحوها، ظانّة أنّها ستحظى بالشّهرة، كأطفال عديدين تبهرهم عدسات الكاميرا، وللصّحفيّة الّتي لم تطرح أسئلة عليها.
قامت أميرة من مكانها، ومشت خلف الصّحفيّة، بعد أن تحسّست منها إهمالًا، ونكزتها من الخلف. استدارت الصّحفيّة نحو أميرة، وتبسّمت، ثمّ سارت، لكنّ أميرة ظلّت مصرّة على اللّحاق بالصّحفيّة، وقالت لها: ألا تريدين أن تسأليني كيف خرجنا من بيتنا عندما اشتد انهمار القذائف والرّصاص فوق البيوت؟
تبسّمتِ الصّحافيّة، وقالت: "أنتِ صغيرة، أتستطيعين التّحدّث"؟
قالت أميرة: "كنّا في البيت لحظتها، فمنزلنا يقع قرب المستشفى الّذي يتمّ نقل المصابين إليه، فخاف أبي علينا، وطلب منّا الخروج. لم نحمل معنا أمتعتنا، فقط صرنا نركض في الشّارع، وتوجّهنا إلى الشّارع التّحتاني للمخيّم، ومن ثمّ وصلنا إلى مسجد الموصلّلي.
وببراءة الأطفال، قالت لها:" ليس لدينا فراش لننام عليه، ولا أغطية تقينا البرد ليلًا". "إيمتا رح يريحونا عالبيت"؟ وبكت، وقالت:" كانت جارتنا أم أحمد تركض في الشّارع دامعة العينين، أنا رأيتها عندما كنت أركض في الشّارع أيضًا، تحمل بيديْها الاثنتيْن بعض الأكياس الّتي تحوي بقايا من ذكرى، ذكرى بيت في المخيّم، يقع في الطّبقة الثّانية من المبنى، تكوّم فوق ركام محلٍّ كان لبيع الأحذية. لم يحترق بيتها، ولم يُحرق أثاثه، لكنّه وقع. كانت أمّ محمّد تحمل الأكياس، والدّموع تنسال على خدّيْها، تنصبّ كنهر بردى الحزين.
جاءت جارتنا أم محمّد من اليرموك لاجئة، سبعينيّة،هي فلسطين، حالها كحال سيّدة المخيّم، سبعينيّة، لا تعلم إلى أين ستروح خارج المخيّم، قد تلتحف رصيف الشّارع البارد. فلسطين تلفظ أبناءها، حتّى في المخيّم.
اقتربت منها الصّحافيّة، فقالت لها:" أنا عمر من التّعب أرخى ظلّه عند عتبات اللّيل، وسار خلف القمر، حتّى لا يندثر، أنا كالعنقاء في غربة الشّقاء لا تهاب الموت، ولا تهوى العودة إلى الوراء، أنا كالصّخر الّذي لن تفتته الغربة والتّرحال.
توقّفتِ الاشتباكات في المخيّم، وأميرة الصّغيرة عادت، لتجد بيتها والأرض سيّان. تبسّمت، ربّما لأنّها لا تدرك حجم المعاناة، أم لأنّها تدرك أنّه قدرها الّذي تعيشه. تلفّتت حولها، فشاهدت محمّدًا يقف أمام عربة الزّهور الّتي يجرّها يوميًّا في المخيّم، يبيع الورد في زمن الدّمار، يهب الحياة في زمن الموت. اقتربت أميرة منه، فقطف وردة حمراء وقدّمها إلى أميرة، ليطرد شبح الموت.
تركته أميرة، وعادت لتتفقّد المنطقة الّتي كان لها فيها بيت، سارت ببطء فوق الطّلقات الفارغة المرميّة على الأرض. سمعت لينا تقول:" قتلوا أحلامي، وأحلام أولادي. فهم يسألونني عن لعبهم، وملابسهم، وكتبهم".
وأميرة تسير، وتبتسم.