حياة بعد التقاعد

12 سبتمبر 2014
تقوم النساء بإرادتهن أو رغماً عنهن، بالدور الرعائي (Getty)
+ الخط -
ما أن يصلن إلى سن ما بعد التقاعد، حتى تبدأ مكانة النساء الشخصية والاجتماعية باتخاذ أبعاد جديدة لم تكن قد اختبرتها معظم النساء في مراحل سابقة من حياتهن. باتت النساء في هذه المرحلة، المرجع الأساسي للأبناء في المنزل، وهن مَن يتحكمن بميزانية الأسرة وآلية الإنفاق، كما بات رأيهن حاسماً في الكثير من النقاشات.

قد يستغرب كثيرون التحوّل الذي يحصل في علاقة الزوجين مع وصولهما إلى سن التقاعد. ولو أجرينا مقارنة بسيطة لدينامية علاقة ثنائي تجاوز الـ65 مع علاقة الثنائي نفسه عند الزواج، لوجدنا أن الأدوار انقلبت. فـ"الرجل المنتج" يصل في وقت ما من عمره ليتوقف عن الإنتاج ويجد نفسه بلا دور فعلي، في حين لا تقاعد من العمل المنزلي. وبالنظر إلى خصوصية الأدوار وتأثيرها في ديناميات العلاقة بين الزوجين، نجد أنها تكمن في القوالب المجتمعية "الجامدة" التي يفرزها المجتمع لكل من الرجال والنساء.

يلصق المجتمع الدور الإنتاجي بالرجل، طالباً منه أن يكون المعيل الأساسي للأسرة، وإن كانت المرأة في الكثير من الأحيان، تمارس دوراً إنتاجياً موازياً، إن لم يكن أحياناً ذا مردود أكبر، إلا أن ذلك جاء استجابة للأعباء الاقتصادية وليس من منطلق التساوي بالأدوار. وهكذا يكبر الصبي ضمن قالبٍ اجتماعيٍ مقونن ليصبح رجلاً لديه هم أساسي في الحياة، ما يلبث أن يصبح بنظر المجتمع مؤشراً أساسياً للرجولة، فيحصل بموجبه على التقدير الاجتماعي. وسرعان ما يتماهى الرجل مع المؤشرات "المجتمعية" للرجولة لتصبح بارومتراً داخلياً ليقيس بها (مع غيرها) منسوب الرجولة لديه.

وبالمقابل، تقوم النساء بإرادتهن أو رغماً عنهن، بالدور الرعائي بما يتضمنه من أعباء منزلية وتربية الأطفال والاهتمام بالأسرة. هو أيضاً أحد القوالب المقوننة التي يفرضها المجتمع على النساء، فالدور الرعائي يلصقه المجتمع بالنساء، لكن لا يعترف بمردوده "الاقتصادي".

وهكذا، يصل الزوجان إلى مرحلة من حياتهما الزوجية حيث يجد الرجل نفسه بلا عمل وتالياً (بلا قيمة)، على حد وصف الرجال، في حين تتطلع المرأة قدماً للوصول إلى هذه المرحلة حيث تتقاعد فعلياً من أعباء مزدوجة وتتفرغ لحصد عوائد دورها الرعائي. ولهذه المرحلة من حياة النساء مردود اقتصادي من خلال مساهمات الأولاد والبنات المادية، ومردود آخر ثقافي، بما تحظى به من احترام مجتمعي مستجدّ، وإنْ "شكلي"، وآخر اجتماعي، لما تلعبه من دور مرجعي للأبناء والأحفاد. كل هذه الامتيازات مجتمعة تفرض دينامية علاقة جديدة بين الزوجين يحكمها ميزان جديد للقوى لصالح النساء.

ناشطة نسوية
المساهمون