حوادث الغرق تحصد أرواح أطفال روسيا

27 يوليو 2017
قارب إنقاذ في بحيرة سياموزيرو (فرانس برس)
+ الخط -
لا يمرّ أسبوع في موسم الصيف في روسيا من دون وقوع حوادث غرق لأطفال في الأنهار والبحيرات، إمّا نتيجة انقلاب قوارب، وإمّا بسبب مخالفة قواعد الأمان، الأمر الذي دفع المعنيين إلى إطلاق صرخة تحذيرية.

أعداد الغرقى إلى انخفاض في البلاد، إلا أنّ الأرقام المعلنة ما زالت مخيفة، إذ قضى 1674 طفلاً غرقاً في صيف عام 2015، بحسب ما أفادت بيانات الحكومة الروسية الأخيرة. وبحسب تقارير صحافية، فإنّ العدد الإجمالي للغرقى (أطفال وبالغون) عن عام 2015 كاملاً وليس موسم الصيف فقط، تخطى 6300 شخص.

ومن بين حوادث غرق الأطفال التي شغلت الرأي العام الروسي، في الآونة الأخيرة، غرق ثلاثة مراهقين في بحيرة لادوجسكويه في جمهورية كاريليا، إثر انقلاب قارب، في 19 يونيو/حزيران الماضي. وفي السياق، رفعت لجنة التحقيق الروسية قضية جنائية بموجب مادة "إهمال أدّى إلى مقتل شخصين وأكثر"، معيدة الفاجعة إلى "تزايد الحالات الطارئة الناجمة عن مخالفة قواعد السلوك الآمن في المياه من قبل القاصرين". تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحادثة جاءت بعد يوم واحد على إحياء الذكرى الأولى لفاجعة مقتل 14 طفلاً، من جراء عاصفة ضربت بحيرة سياموزيرو في جمهورية كاريليا كذلك، قبل عام.

وفي حادثة مروّعة أخرى، قضى ستة أشخاص (أربعة أطفال وبالغان) من جرّاء غرق قارب في بحيرة في مقاطعة تشيليابينسك في منطقة أورال، مطلع يوليو/تموز الجاري، وقد تبيّن في إطار التحقيق أنّ الأطفال لم يرتدوا سترات النجاة أثناء النزهة في منطقة تحظر السباحة فيها بسبب التيارات تحت سطح الماء.

وتختلف أسباب الغرق في روسيا والعالم بين إهمال أولياء الأمور، ومخالفة قواعد الأمان في مخيمات الأطفال، ورغبة كثيرين في خوض مغامرات خطرة داخل المياه أو النزول إلى المياه في أماكن غير مخصصة لذلك، أو حالة السكر. ويوضح رجل الإنقاذ الروسي، ألكسندر أليكسييف، أنّ "30 في المائة من الحالات تعود إلى ضعف غريزة حفظ الذات، إذ يحاول رجال كثيرون إثبات أنفسهم عن طريق عبور النهر أو الغوص أو القفز من ارتفاع عال، من دون التأكد من أنّ ذلك آمن". أمّا أسباب غرق الأطفال، فيلخصها أليكسييف في "نقص الخبرة، وعدم الخوف من الماء بالفطرة، ومخالفة قواعد الأمان من قبل البالغين".

ويشرح أليكسييف أنّه "عندما يغرق المرء، يبدأ بتحريك يديه وساقيه بطريقة عشوائية، إذ تدفعه الغريزة إلى الصعود إلى سطح الماء حيث يتوفّر الأكسجين. لكن في حال بقائه تحت سطح الماء، يحدث الإغماء بعد دقيقة واحدة نتيجة نقص الأكسجين، لتقع الوفاة البيولوجية بعد خمس إلى ست دقائق. وبعد نحو 60 ساعة، تطفو الجثة على سطح الماء إذا كنّا في فصل الصيف وكانت حرارة المياه تتراوح ما بين 18 و24 درجة مئوية".



ويشير إلى أنّ "حالات الغرق في معظمها تحدث بالقرب من الشواطئ، على أعماق لا تزيد عن خمسة أمتار. كذلك فإنّ النزول إلى المياه من الجسر وبلوغ عمق كبير مباشرة، يزيد من خطر الغرق". يضيف أنّه "في أحيان كثيرة، توضع عوّامات على مسافة محددة من الشواطئ، حتى لا يتجاوز مرتادوها الحدود المسموح بالسباحة فيها"، لكنّها بالنسبة إليه "لا تقلل من المخاطر، بل تزيدها". ويقول إنّ "العوامات هي مصيدة قاتلة لمن لا يجيد السباحة. ففي ذات مرّة، قرّر رجل الوصول إلى العوامات لإثبات نفسه، فأساء تقدير قدراته وغرق. أمّا إذا كان الشخص يجرؤ على تجاوز العوامات، فهذا يعني أنّه سباح ماهر ولن يغرق على الأرجح".

ويشدّد أليكسييف على أنّ "العوامل التي تزيد أو تقلل من خطر الغرق هي مدى الالتزام بقواعد الأمان ومهارات السباحة ومستوى تنظيم خدمات الإنقاذ على الشواطئ، بينما يتعيّن على الدولة الترويج للسلوكيات الآمنة في المياه وتطوير منظومة الإنقاذ".

تفيد بيانات صادرة عن منظمة الصحة العالمية بأنّ الغرق يأتي في المرتبة الثالثة بين حوادث الموت في العالم، بواقع نحو 360 ألف حالة سنوياً، أي ما يعادل سبعة في المائة من إجمالي ضحايا الحوادث عموماً. ويُعَدّ الأطفال والرجال الأكثر عرضة لخطر الغرق. وتحصي الدول ذات مستويات المعيشة المتوسطة والمنخفضة أكثر من 90 في المائة من إجمالي حوادث الغرق، وفي مقدّمتها دول غرب المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. أمّا الدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا فتراوحت نسب حوادث الغرق فيها ما بين 15 و20 في المائة.

وبحسب تقرير للمنظمة عن عام 2010، فقد قارب عدد الغرقى في روسيا 12 ألف غريق، أكثر من 10 آلاف منهم من الرجال. ويظهر التقرير ذاته أنّ عدد الغرقى في الولايات المتحدة الأميركية التي يزيد عدد سكانها عن عدد سكان روسيا أكثر من الضعفَين، بلغ نحو 4800 غريق. على الرغم من ذلك، تمكنت روسيا، خلال السنوات الأخيرة، من تقليص عدد الوفيات الناجمة عن الغرق بصورة كبيرة، في حين تواصل تشديد رقابة الدولة على مخيمات الأطفال. لكنّ استمرار وقوع الحوادث بوتيرة عالية يؤكد أنّ الطريق إلى تقليص معدلات هذه الحوادث المقلقة إلى حدّ معدلات الدول المتطوّرة، ما زال طويلاً.

دلالات