حواء والمبدع العربي
كانت المرأة في حياة المبدعين العرب، ولا تزال، علامة تعجّب كبيرة، تستدعي دائماً التوقف والتأمل بحذر شديد. ولكن، دعونا، أولاً، أن نكون صريحين مع أنفسنا، ونفتح قلوبنا لنقول إنه لا يستطيع أحد، مهما كان واعياً جيداً بالمشهد، أن يفسّر ما يحدث تفسيراً علمياً أو حتى تفسيراً سوسيولوجياً، يراعى فيه ما حدث لمبدعين كثيرين فقدوا السعادة الزوجية التي تحدث عنها المنظرون، في كتب فاخرة الصنع، وعاشوا وحدهم يكتبون للحب وللمعنى اليوتوبي، الغائب في حياتهم. ولكن، هل كل ما حدث لهم لأن المبدع، دائماً، ما يبحث عن الهدوء، وحواء هي "إعصار" كامن يحيط به؟ أم هل لأن حواء لا ترضى شريكاً لها في عقل الرجل، فتبقى تحرّض وتطارد كل كلمة، أو فكرة، تحلّق فوق رأس المبدع؟
احتمال وارد. لكن، ما أشعر به، دائماً، هو أن المبدع لا يحب القيود، ويظل كارهاً ومحارباً لها بقسوة، حتى لا يسقط رهين بيت مليء بالتساؤلات والاحتياجات الاستهلاكية التي لا تجتمع مع الفكرة والقلم والورق، أبداً، ما عاش على هذه الأرض التي استطاع، مثلاً، الشاعر الفلسطيني محمود درويش أن يعيش عليها، وأن يجد فيها ما يستحق الحياة، حتى تقلّب بين كذا قلب، وحاول أن يحتويه، لكنه، في النهاية، رحل حيث الكلمات العابرة في الكلام العابر، وانتصر لطقوسه، ولمحرابه الهادئ، وحتى يستطيع أن يعمل فنجان قهوته من دون ضجيج الطفولة.
وكذلك الشاعر السوري نزار قباني الذي جعل من قلبه وقصائده قبلة للعشاق يحجون إليها كل عام، مع حلول أعياد الحب، بالكلمات المزركشة الأنيقة المحفوفة بعبق العطر الأنثوي النفّاذ، لكنه، في النهاية، رحل بعيدا أيضاً. ولكن، هذه المرة، القدر هو الذي أخذ الخطوة المؤلمة، فرحلت حبيبته، قبل أن يتركها، ليختفي خلف كلماتها التي كان قد أعدّها لها من محبرة المأساة. بلقيس المرأة التي أحب، واستطاعت أن تداعب رماد سيجارته بحذر بالغ الذكاء، من دون أن تسقط شيئاً على سجّاد العذاب، وديمومة الوجد الشعري والقلق الذي كان يحيط هالته المليئة بالتأوهات، لمصير بلاد لم يتحدد بعد، فحظيت بعقله بجوار قلبها المتشظي حروفاً صغيرة. بقي لدي تساؤل: هل هذا قدر المبدعين دائماً؟ أم أنه معنى مختزل وعميق، لم يستطع كلا المبدعين، مثلاً، كنموذجين تمّ طرحهما أن يقرآه جيداً؟ كل شيء وارد في الحب. ولكن، يظل الإبداع دائماً مرادفاً لكلمة معاناة وألم.