حنين إلى يوغوسلافيا السابقة

14 سبتمبر 2018
في صربيا (ليف فيدوسييف/ Getty)
+ الخط -
بعد مرور أكثر من ربع قرن على تفكّك جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية، تظهر استطلاعات رأي في الدول الوليدة الست نسباً متفاوتة تعكس حنيناً إلى زمن الدولة الاتحادية، على الرغم من المضي قدماً نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو".
ولمّا كان نحو ثلاثة أرباع سكّان كل من صربيا والبوسنة والهرسك يعتبرون تفكك يوغوسلافيا "مضراً"، تنخفض هذه النسبة إلى نحو 65 في المائة في جمهورية الجبل الأسود، وإلى 61 في المائة في مقدونيا، في مقابل إيمان 55 في المائة من الكرواتيين و41 في المائة من السلوفينيين باستفادة بلديهم من مجرى الأحداث هذا.

في هذا الإطار، تشير مديرة مركز دراسات أزمات البلقان في معهد الدراسات السلافية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، يلينا غوسكوفا، إلى أن الحنين إلى يوغوسلافيا يكاد يقتصر على الأجيال الأكبر سناً التي ما زالت تذكر المستوى المعيشي الجيد في تلك الحقبة. تقول لـ "العربي الجديد": "كانت الأجور في يوغوسلافيا السابقة مرتفعة، وعائلات كثيرة تملك سيارتين، وكانت قادرة على السفر إلى أوروبا لقضاء العطلة بضع مرات في العام. كان الصرب أكثر شعوب يوغوسلافيا عدداً. لذلك، يحزنون لفقدانهم مملكة كاملة. كما أن هناك حنينا إلى يوغوسلافيا بدرجات أقل بين السلوفينيين والكروات وسكان الجبل الأسود".



وحول موقف الشباب في البلقان، تضيف: "لا يحن الشباب إلى يوغوسلافيا ولن يفكروا أبداً في استعادتها بعد ما شهدته أرضها من اقتتال أثناء تفكّكها". وإثر اندلاع نزاعات مسلحة، بدأت جمهوريات يوغوسلافيا منذ عام 1991 إعلان استقلالها عن بلغراد واحدة تلو الأخرى، من خلال خروج البوسنة والهرسك، ومقدونيا، وسلوفينيا، وكرواتيا، لينتهي وجود البلاد الموحدة عام 1992. إلا أن الجبل الأسود وصربيا ظلّتا تشكلان جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، إلى حين تعديل اسم البلاد إلى اتحاد صربيا والجبل الأسود عام 2003، قبل أن تجري جبل الأسود استفتاء وتنال استقلالاً كاملاً عام 2006.

وأسفرت أعمال القتال على أراضي يوغوسلافيا السابقة في تسعينيات القرن الماضي عن مقتل أكثر من 130 ألف شخص، في وقت يعد من أكثر النزاعات دموية في النصف الثاني من القرن العشرين. إلا أن غوسكوفا ترى أنه كان في إمكان أوروبا منع اندلاع الحرب بين هذه الشعوب السلافية الجنوبية، إن أرادت ذلك.

بعد تفكّك يوغوسلافيا واستقرار الأوضاع في جمهورياتها السابقة، توجهت الدول الجديدة نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي، إذ انضمت سلوفينيا إلى الاتحاد عام 2004، وكرواتيا عام 2013، كما تحمل صربيا ومقدونيا والجبل الأسود صفة الدول المرشحة رسمياً للعضوية. وخلال العام الماضي، انضمت جمهورية الجبل الأسود إلى حلف الناتو، في تطور أثار انزعاج روسيا التي ترى في توسع شمال الأطلسي في أوروبا تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

مع ذلك، تقلّل غوسكوفا من واقعية انضمام الدول المرشحة إلى الاتحاد الأوروبي في الأفق القريب، قائلة: "في السابق، كان الاتحاد الأوروبي يقبل أعضاء جددا لدوافع سياسية، فتم قبول دول غير جاهزة اقتصادياً مثل بلغاريا، ما أسفر عن تشكيل أوروبا متعددة الطبقات. إلا أن هذا الأمر لم يعد له مكان آخر، وتحتاج دول البلقان إلى تهيئة اقتصادية، حتى أن صربيا الأوفر حظاً لن تنال العضوية قبل عام 2024".

ومع إطالة أمد إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وعدم واقعية إتمامها في الأفق المنظور، بدأ الشباب في البلقان يتعاملون مع التكامل الأوروبي بشيء من اللامبالاة، كما توضح يلينا، وهي شابة صربية في العشرينيات من عمرها. تقول لـ "العربي الجديد": "يتعامل غالبيّة الشباب بلا مبالاة مع عضوية الاتحاد الأوروبي. بشكل عام، لا تتوفر لديهم معلومات كافية ولا يبحثون عنها ولا يهتمون بالأمر. لكن ذلك لامبالاة أكثر منه معارضة".

وفي معرض إجابتها عن سؤال حول ما إذا كان الشباب يحنّون إلى زمن يوغوسلافيا السابقة، تقول: "يشعر من ولدوا بين الثمانينيات والتسعينيات بنوع من الحنين انتقل إليهم من أهلهم. لكنّني لا أعتقد أن من ولدوا بعد عام 2000 يحملون مثل هذه المشاعر، لأن هذا الزمن بات بعيداً جداً بالنسبة إليهم وحتى بالنسبة إلى آبائهم".



يذكر أن جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية بدأت بعد وفاة زعيمها، جوزيف تيتو، عام 1980، تواجه تنامياً في المزاج القومي، من خلال انتفاضة في إقليم كوسوفو، وسعي سلوفينيا وكرواتيا للابتعاد عن بلغراد، وصولاً إلى بدء تفكك البلاد في عام 1991.

وفي ظل تفاقم أزمات الجمهوريات اليوغوسلافية السابقة، جرى تدويل القضية، وقصفت قوات الناتو صربيا في عام 1999، وسط اعتراض موسكو. أما اعتراف عدد من الدول الغربية باستقلال كوسوفو، فأحدث انقساماً في المجتمع الدولي، ومهد الطريق لاعتراف روسيا باستقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليين عن جورجيا عام 2008، في تغيير للأعراف الجيوسياسية والدولية التي ما زالت تبعاته مستمرة حتى الآن.