تستخدم الرمال الساخنة في بعض أنحاء المغرب كحمّامات تعالج ما عجز عنه الأطباء والأدوية. يروى الكثير عن أشخاص اختبروا "معجزات" من الشفاء، بعد يأسهم طوال سنوات من علاج أمراض، كالروماتيزم.
وعدا عن الفوائد للمرضى، يؤمّن العمل في هذا المجال دخلاً موسمياً للعديد من العائلات التي تعتاش من الفلاحة عادة في منطقة زاكورة، جنوب شرق البلاد.
على سفح تلّة عند طريق المطار القديم المؤدي إلى زاكورة تبرز بقعة من الرمال تبدو نظيفة ومهيأة لاستقبال المرضى. في المكان بضع خيمات، قسم منها للرجال وآخر للنساء. تنتعش الخدمة في الحمّامات أو "قبور الرمال" بما أنها مرتبطة بدفن المريض فعلياً، في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الحارقين.
يعمل في تلك البقعة كلّ من الأم عائشة وابنها محمد وطو علي، وتودا وهي امرأة مسنّة، ومعهم بعض العمال الشباب. عادة ما تستخدم هذه الحمّامات لعلاج أمراض الروماتيزم وبرودة المفاصل والأطراف. تقول فردوس، وهي مغربية تعيش في فرنسا، لـ "العربي الجديد": "أصبت بفيروس في الحلق وامتد البرد في جسمي حتى وصل إلى الأطراف وجعلني عاجزة عن الحركة منذ الحادية عشرة من عمري. لم تنفع محاولات الأطباء ولا الأدوية القوية التي كانت لها نتائج سلبية. نصحني طبيب لاحقاً بزيارة حمّامات الرمال، وهنا بالذات بدأت الحركة تدبّ في أطرافي من جديد".
تقول: "جئت إلى زاكورة عام 2000 بعدما عجزت الأدوية وجلسات الترويض والحجامة والأعشاب عن إعادة حركتي، وجرّبت أدوية أثّرت على كليتيّ ومعدتي ونظري حتى أصبحت كالمقعدين. التقيت بتودا وعائشة في زاكورة واعتنتا بحالتي". تضيف: "يجب على المريض أن يخلع ملابسه ويدفن لمدة 5 دقائق ثم ينهض ويغطي جسمه بغطاء ثقيل ويذهب إلى الخيمة ليدفئ جسده جيداً بشرب الشاي، لأنّه سيصاب بالبرد نتيجة الجهد الذي بذله الجسم في إخراج العرق، ثم يغتسل ويرتدي ملابس ثقيلة، ويلتزم في بيته بالملابس الثقيلة والأكل الخفيف".
بعد عدة مرّات، استرجعت فردوس حركتها، حتى أنّ طبيبها الخاص لم يصدق الأمر واعتبره من الخزعبلات والخرافات. لكنّها تعود الآن مجدداً بعدما ساءت حالتها أخيراً بسبب البرودة في باريس. تصف فردوس عملية العلاج: "تحفر الرمال على شكل مقابر لكي تدخلها أشعة الشمس الحارقة وتسخنها جيداً. حينها يمكن للمريضة أن تدخل إلى الحفرة وتغطى بمساعدة عائشة حتى منطقة الصدر، فتبدأ حبات الرمل بامتصاص البرودة ويتبلل الرمل بفعل العرق. وعندما ينهض المريض يصاب برعشة البرد".
منذ السادسة صباحاً يخرج محمد وطو علي إلى المكان بصحبة العاملين معه، ويبدؤون في حفر الحمّامات بعمق 30 سنتيمتراً. يتركونها مفتوحة للشمس. هكذا يفعل باستمرار منذ 26 عاماً عندما كان يرافق والده ووالدته إلى تلك البقعة في الموسم المعتاد. يقول إنّ كلّ مريض بالروماتيزم أو الأمراض الجلدية يشفى بعد دفنه في الرمال خمس دقائق وشربه الشاي والراحة.
لكن، هل من مخاطر على المرضى؟ يقول وطو علي: "نتجنب الوقوع في ذلك، ونطلب مسبقاً من كلّ مريض أن يستشير طبيبه وأن يكون خالياً من مشاكل القلب والضغط، لأنّ الرمل يتطلب من الجسم بذل مجهود لإخراج السموم". يتابع: "في حالة الطوارئ، نتصل بالإسعاف، ولدينا سيارة مجهزة للحماية قريبة دائماً من البقعة".
يؤكد وطو علي أنّ حمامات الرمال خالية من الزواحف الضارّة مثل الأفاعي والعقارب: "الزواحف تفضل أماكن الظل وليس الرمل الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، كما أننا نفحص المكان كل يوم ونتأكد من عدم وجود شيء".
تصل كلفة حمّام الرمل إلى 5 يورو تقريباً. ويعمل وطو علي إلى جانب والدته، لكنّ الطرفين منفصلان، بسبب انفصال قسم الرجال عن قسم النساء.
من جهتها، تقول تودا التي تعمل مع والدتها وتعتني بالمريضات من خلال إعداد الشاي بالأعشاب وتقديم الأغطية الثقيلة لهن إضافة إلى تقديم الماء لغسل الرمال، وحفر "قبور الرمال" مع عائشة: "أعمل معها منذ ثلاثين عاماً. العمل صعب تحت درجات حرارة مرتفعة لكن المهم هو الصبر وتقديم ما يمكن حتى يشفى المرضى".
تقي تودا وعائشة بشرتيهما بقناع مكون من خليط من الأعشاب حتى تظلّ بشرتاهما نضرتين ورطبتين. تقول: "يتكون من الفول والأرزّ والحمص والتمر والشعير والسرغينة والزعفران والغسول الأبيض والورد المدقوق وماء الورد أو صفار البيض". تبيع تودا هذا القناع للزبائن بيورو واحد.