يعدّ الباحث العراقي حميد المطبعي (1942 – 2018) الذي رحل أوّل أمس الإثنين، أحد المنشغلين بتأريخ المشهد السياسي والفكري في بلاده حيث ألّف قرابة ثلاثين كتاباً حول أبرز تياراته ورموزه، والمنهمكين في التنظير للحرية مواقف ورسائل وكتابات في عزلته التي امتدّت عقود.
ولد صاحب "قوميتنا الثائرة" في مدينة النجف ولم يغادرها إلا مرات قليلة حتى رحيله، وتلقّى تعليمه الأساسي في مدارسها الدينية حيث لم يتح له بسبب ظروف عائلته أن يستكمل دراسته، ليعمل في مطبعة والدته في الخمسينيات، وهناك بدأت رحلة تمرّده على الأفكار السياسية والاجتماعية المحافظة والسائدة، وعلى القصيدة العمودية، لينتمي إلى قصيدة النثر.
جذبته أدبيات اليسار الجديد لكن نزعاته الثورية لم تحل دون تأمل وحوار مع الاتجاهات السياسية التي طغت على تلك المرحلة، فألّف كتابه الأول "الفجر الصادق.. رسالة في جدل الآخر" عام 1959، وفي العام التالي أصدر رسالة "في القومية العربية"، وفي البحث عن توازن بين ماركسيته وعروبته تعرّف على الوجودية حيث تشكّلت رؤاه مبنية على قبول الاختلاف وعدم الرضوخ لأيديولوجية مغلقة.
كانت الستينيات مختبراً لتطبيق قناعاتته فانفتح على معظم المثقفين والكتّاب، وآمن بمشروع ثقافي مبني على السجال والتناظر، فأسّس مجلته "الكلمة" عام 1969، التي استقطبت حبنها أدونيس ونزار قباني وسعدي يوسف وبشرى البستاني وعبد الواحد الخضيري وإسماعيل فهد إسماعيل، في وقت بدأت السلطة تضيق الخناق على كل من يختلف معها.
في الفترة ذاتها، ساهم في إنشاء "ندوة الآداب والفنون المعاصرة" في مدينته النجف، التي اهتّمت بموضوعات الحداثة في الأدب وقوى التغيير، إلى جانب عبد الإله الصائغ، وزهير الجزائري، وموسى كريدي، والأخير هو الذي شاركه في "الكلمة" حتى إغلاقها عام 1976.
عُرف عنه انهماكه الدائم في العمل لساعات طويلة من أجل تحقيق مشاريع تحتاج إلى عمل جماعي ومؤسسي، ومنها موسوعة "أعلام وعلماء العراق في القرن العشرين" بأجزائها الثلاثة (1995)، التي اشتملت على مراجعات اعتبرت موضوعية ونزيهة في تناول الشخصيات الأدبية والسياسية والدينية التي أثّرت في الثقافة والمجتمع طوال قرن.
اشتهر صاحب "رسالة في الحرية" (1990) بمراسلاته مع العديد من رموز الثقافة والأدب، ومنها رسائله إلى جان بول سارتر وغيفارا وأدونيس وسركون بولص، وعبّرت معظمها عن توقه نحو التحرّر وقناعته المتأصلة في الجدل وعدم الركون إلى جمود العقل والفكر.
من أبرز مؤلّفاته؛ "منطلقات ثقافية: إجابات في الثقافة العربية الثورة" (1977)، و"مسائل ثقافية تبحث عن الطريق القومي من منظور واحد" (1978)، و"محاور في الفكر والتاريخ" (1979)، و"رحلتي إلى الشمال" (1986)، إلى جانب كتبه حول عدد من الشخصيات مثل "المؤرخ سعيد الديوه جي" (1988)، و"أكرم نشأت إبراهيم أستاذ الفقه الجنائي" (2002)، و"المؤرخ صالح أحمد العلي" (2003)، و"علي الوردي يدافع عن نفسه" (2010).