(١)
أزعجتني الحملات الضخمة التي صُنعت عمداً قبل أيام، في مواقع التواصل الاجتماعي، بغرض مؤازرة المنتخب السعودي، وحث الجماهير على نبذ خلافاتها، وإختلافاتها، ومخالفاتها، في مكان قصي من "النسيان المؤقت"، وأن يولّوا قلوبهم شطر منتخب البلاد، ويملأوا مدرجات الملعب باللون الأخضر، الذي يسر السعوديين الناظرين والمنتظرين لبطولة تضخ الفرح في القلب، وتعيد الميداليات الذهبية، قلائد فوق رقاب "الصقور".
(٢)
نعم، أزعجتني جداً، لأنها تبث دون إدراك وبلا عقل، ربما، إنطباعاً كاذباً بأننا لا نشجع منتخب بلادنا، وأننا نحتاج إلى "حملات طارئة" يشارك فيها الصالح والطالح، لتحفيزنا على الحب، وتذكيرنا بأننا سعوديون، وأن فوز منتخبنا الوطني يجب أن يكون هو الرغبة السائدة، والوجبة التي يجب أن توضع على المائدة، لنتغذى كلنا منها.
(٣)
هذه الحملة "المزعجة"، ليست سوى صرخة بغيضة، تصيح على ملأ: "نحن لا نكرهك يا منتخب بلادنا" .. بينما كان عليها أن تلزم الصمت، الذي كان وما زال يقول: "نحن نحبك يا منتخب بلادنا"!
(٤)
وبين "نحن نحبك".. و"نحن لا نكرهك"، مسافة شاسعة، يمكن للسان "المعنى" فيها أن يَشَّقَّق من شدة الجفاف، وأن يصبح قلبه على بعد سكتة واحدة، تمد يدها لتصافح الموت.
(٥)
لم أشاهد في حياتي جمهوراً يحث بعضه بعضاً، على تشجيع منتخب بلاده.. ويستجدي الحب من قلوب لا تنبض إلا بحبه.. ويفور السخط في افئدتها من بذاءة الهزيمة، كما تتدفق الفرحة فيها أفواجاً، ابتهاجاً بالفوز.
(٦)
صحيح أن الأندية تفرّقهم إلى ألوان عدة، وتُقطِّع قلوبهم إلى أجزاء صغيرة، وتوزعها طعاماً للغضب، والشتائم، والقذف، والكراهية.. لكن حين يلعب منتخب الوطن في الملعب، فإنهم يذهبون معه، ومن أجله، دون أن تجتمع الألسن، في حملة قصيرة، سمينة، قبيحة، لتقول لهم بغلاظة: "أرجوكم.. شجعوا منتخب بلادكم"!
(٧)
يمكن لمثل هذه الحملة "الاستجدائية" المزعجة.. أن تمد لسانها بـ"الرجاء، والحث، والإقناع بمعروف"، حين يكون الذي يخوض في الملعب، هو أحد أندية الوطن، وليس منتخبه الكبير.. لأن القول: "شجعوا النادي، إنه يمثل الوطن" لا يشبه أبداً القول: "شجعوا منتخب الوطن، إنه يمثل الوطن".
(٨)
الذي لا يشجع المنتخب.. لا يكره بلاده.
الذي يكره بلاده، هو الذي يشجع ضد المنتخب!
فهل بيننا من يكرهون بلادهم؟!.. بالنسبة لي، إجابتي هي: لا.. ثم لا.. ثم لا.
لمتابعة الكاتب...https://twitter.com/alfheedA