وجاءت سخرية هذه القنوات من زاوية أن ترامب يحاول التقرّب من المسلمين ظناً منه أن فارس مسلم، مشيرة إلى أن ترامب لا يدرك الفروق بين القوميات والديانات، إذ إنه يعتقد أن المسلمين جميعهم عرب أو أن العرب جميعهم مسلمون.
لكن هذا الاعتقاد، إنْ صحّ، قد يحسب لترامب لا عليه، فرغم أن الأخير كثيراً ما يبدي نوعاً من الضحالة الفكرية، خصوصاً في السياسة الخارجية، لكن ذلك لا يتنافى بالضرورة مع الذكاء الفطري الذي يتمتع به.
وعلى الأرجح فإن مشاعر العداء التي يتعمّد إظهارها تجاه مختلف الأقليات في المجتمع الأميركي، من مسلمين ومهاجرين ومكسيكيين وأميركيين أفارقة، ليست حقيقية ولا تلقائية، بل هي مدروسة بغرض تحقيق مكاسب انتخابية في أوساط الغالبية البيضاء.
فمن الصعب على من يستعين في حملته الانتخابية بمستشار الكونغرس الأميركي لشؤون الأقليات أن يثبت بما لا يدع مجالاً للشك صدق عدائه لهذه الأقليات.
كما أن من الصعب على ترامب المتزوج من مهاجرة سلوفاكية لم تحصل على بطاقة الإقامة الخضراء إلا حديثاً، أن يحمل عداءً حقيقياً للمهاجرين، الفئة التي تنتمي إليها والدة ابنه الأصغر.
ما يحاول ترامب أن يوحي به في حملته من تطرّف ضد الأقليات، يخالف سلوكه العملي البعيد كل البعد عن العنصرية، وذلك رغم أن تصريحات له تكشف عن عجز في التفريق بين القوميات والديانات، مثل خلطه بين الإسلام والعروبة، وكذلك حديثه عن الإسلام كأنه جنسية أو وطن يمكن منع حاملي جوزات سفر هذا الوطن أو هذه الجنسية من دخول الولايات المتحدة، لحمايتها من خطرهم.
المعلّق السياسي الأميركي، تيم مورفي، جزم أن ترامب يظن أن مستشاره الجديد وليد فارس، مسلم.
واستند في هذا الجزم إلى حوار أجرته محطة "فوكس نيوز" مع ترامب يوم الثلاثاء الفائت، إذ قال المحاور براين كيلميد، لترامب، إن مشكلته مع المسلمين تبدو مفتعلة وغير حقيقية بدليل أنه قرر أخيراً الاستعانة بواحد منهم وهو وليد فارس.
لاحظ مورفي أن ترامب حرك رأسه بما يشير إلى الموافقة على ما أورده المحاور، وقال إن "ترامب لا يعلم أن مستشاره الجديد أبعد ما يكون عن المسلمين، إذ إنه كان عضوا رفيع المستوى في مليشيا مسيحية طائفية في لبنان".
ونقل مورفي معلومات نشرها كاتب أميركي آخر قبل خمس سنوات، تبيّن أن فارس كان في عقد الثمانينات من القرن الماضي، مقرّباً من سمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية في لبنان حالياً).
ووصف الكاتب القوات اللبنانية، التي كان فارس ناطقاً إعلامياً باسمها عام 1986، بالـ"المليشيات المعادية للدروز والمسلمين، وتسعى لإقامة كيان خاص بالمسيحيين".
وشاركت صحيفة "نيويورك تايمز" في الحملة التي اتسع نطاقها ضد اختيار فارس ضمن خمسة مستشارين كشف ترامب عن أسمائهم لصحيفة "واشنطن بوست".
لكن "نيويورك تايمز" لم تجد من وسيلة لانتقاد فارس سوى اللجوء لمحرك "غوغل" الذي يحتوي على مزاعم قديمة جداً عن الرجل معظمها مترجم من اللغة العربية بصورة تفتقد للدقة والأدلة. وتناقض هذه المزاعم ما يبديه الرجل من تحليلات وآراء أكاديمية موضوعية في أبرز المحطات الأميركية.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن بعض المنظمات الإسلامية الحقوقية تتهم فارس بالترويج للإسلاموفوبيا، إذ قال بعد هجمات بروكسل: "إننا لم نعد ندري من هم الجهاديون ومن هم غير الجهاديين".
اقرأ أيضاً:جولة انتخابية جديدة في ثلاث ولايات أميركية
ويبدو لافتاً أن هذه الحملة القاسية لم يتعرّض لها فارس عندما اختير سابقا كبيراً لمسشاري السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة الجمهوري السابق، ميت رومني.
هذا الأمر، يفسره رجل الأعمال العربي الأميركي، نبيل الصباري، بالقول إن "المستهدف من الحملة هو ترامب وليس فارس".
ولفت الصباري في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما لم يتطرق إليه الإعلاميون الأميركيون في حملتهم على فارس هو أن مؤلفاته وكتبه عن الجهاد ومن يسمون أنفسهم بالجهاديين لا تزيد بأي حال من الأحوال عن النقمة التي يجاهر بها العديد من كبار المفكرين والمثقفين المسلمين".
واعتبر أنه "لا يجوز التحسّس من نقمته على الإرهابيين وتحذيره من أخطار الانتحاريين، لأن خطورة هؤلاء وتهديداتهم للإسلام والمسلمين أبشع بكثير من خطورتهم وتهديدهم للإنسانية والحضارة العالمية".
اقرأ أيضاً:أقليات وشغب على طريق البيت الأبيض
وفي السياق ذاته، نصح عضو المجلس العربي الأميركي الكلداني، والي طهيف، في حديث مع "العربي الجديد"، العرب الأميركيين بـ"الاستفادة من تنوّعهم وعدم التردد في الالتحاق بحملات كافة المرشحين للرئاسة"، معتبراً أن "ما يقوم به فارس هو عين الصواب، ولكونه لبناني الأصل فإن نجاحه هو نجاح لكل العرب الأميركيين".
ورفض تقويض هذا النجاح بـ"استدعاء ذكريات الماضي الأليم والحروب الأهلية التي تلطخنا بها جميعا في كافة البلدان العربية بلا استثناء".
من جهتها، ربطت الناشطة العربية الأميركية، باسمة سلمان، نجاح فارس بنجاح ترامب، موضحة أن "اختيار فارس يجعله مؤهلاً في حال وصول ترامب للرئاسة، أن يصبح أول عربي أميركي على الإطلاق يتولى منصب مستشار البيت الأبيض للأمن القومي".
هذا المنصب، وفق سلمان، "من المواقع ذات الأهمية الكبرى التي يستطيع أي رئيس أميركي اختيار من يريد أن يتولاها دون الحاجة لإقرار التعيين في مجلس الشيوخ".
ومن المرجح أن خلفية فارس وآراءه المتعلقة بمخاطر "الإرهاب" هي التي تجعله مقرّباً من جميع مرشحي الحزب الجمهوري أو من يوشك الحزب على اختيارهم لتمثيله، وهذا ما يدفع العرب الأميركيين إلى الاعتقاد بأن اختيار فارس في حملة ترامب لم يتم إلا بناءً على توصية من قيادات الحزب، وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً آخر على تقارب ملحوظ بين بعض قيادات الحزب والمرشح المثير للجدل.
اقرأ أيضاً:يهود أميركيون يتقرّبون من ترامب... لضمان مصالح إسرائيل