انتقلت موجة الاتهامات بالتحرش الجنسي التي استهدفت، في الأسابيع الماضية، نجوم هوليوود ووادي السيليكون (سيليكون فالي) إلى المسرح السياسي الأميركي، بعد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" كشف عن علاقات جنسية مع مراهقات أقامها، قبل أربعين عاماً، روي مور، المرشح الجمهوري المحافظ لانتخابات مقعد ولاية آلاباما في مجلس الشيوخ الأميركي.
وتستهدف الفضيحة الجنسية هذه المرة شخصية تعتبر رمزًا في التشدد الديني، خصوصاً في القضايا الاجتماعية المرتبطة بالجنس، إذ أنّ مور يُعدّ أحد أبرز دعاة سجن المثليين جنسياً في الولايات المتحدة. كما أنّ اتهام مور بممارسة الجنس مع فتيات مراهقات، إحداهن كانت في الرابعة عشرة من عمرها بينما كان هو في العقد الثالث من العمر، جاء في سياق ظاهرة التشهير بالمتحرشين والمغتصبين التي اكتسحت الحياة العامة الأميركية في الأشهر الماضية، بعد فضيحة المنتج الهوليوودي هارفي وينستين.
وينظر علماء الاجتماع والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة إلى ظاهرة التشهير بالمتحرشين التي أطلقتها نساء وممثلات وناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام الأميركية، وتحولت إلى ظاهرة نسوية عالمية، على أنها من المحطات التاريخية في حركة النضال النسوي في الولايات المتحدة، قد تضاهي في أهميتها الثورة الجنسية التي شهدها المجتمع الأميركي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وإن كان البعض يرى في محاربة ثقافة التحرش الجنسي الذي تتعرض له المرأة الأميركية بمثابة "الثورة المضادة على الفساد الأخلاقي" الذي خلّفته قيم التحرر الجنسي الذي روّجته إنتاجات هوليوود السينمائية والتلفزيونية.
وينفي المرشح الجمهوري الاتهامات الموجهة إليه، ويعتبر أنّ الهدف منها سياسي واضح، ويؤكد أنّه لا يعرف النساء اللواتي زعمن أنه تحرش بهن قبل عقود من الزمن.
وخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، الشهر الماضي، حظي مور بدعم ستيف بانون، مؤسس حركة اليمين القومي الأميركي، وتمكن من إلحاق الهزيمة بالمرشح المدعوم من البيت الابيض والاستابلشمنت الجمهوري.
وفي رسالة وجهها للناخبين في آلاباما، رفض مور الدعوات الجمهورية له للانسحاب من السباق الانتخابي بعد الاتهامات التي وجهت إليه. وقال إنّ "ماكينة الإعلام الليبرالية التابعة لمحور أوباما - كلينتون أطلقت ضده حرباً قذرة من أجل إسكات صوت المحافظين في الولايات المتحدة وخوض معركة قيم ضد المتدينين المسيحيين".
المفارقة أنّ المحافظين في الحزب الجمهوري هم أول من بدأ استخدام ظاهرة التشهير بالمتحرشين في اللعبة السياسية، خصوصاً بعد فضائح هوليوود ووادي السيليكون، وهذان من أبرز المعاقل الثقافية للحزب الديمقراطي. وشنّت المؤسسات الإعلامية اليمينية، خلال الأسابيع الماضية، حملة انتقادات استهدفت قيادات الحزب الديمقراطي، خصوصاً الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، لتأخّرها في إعلان إدانة أفعال وينستين الذي يعتبر أحد أبرز ممولي الحزب الديمقراطي.
وقد انتهز رموز الاستابلشمنت الجمهوري، على رأسهم مفتش ماكونويل زعيم الأغلبية الجمهورية، الاتهامات المزعومة للانتقام من مور الذي قرر الاستمرار في السباق الانتخابي مراهناً على ردة فعل عكسية في أوساط الناخبين قد تضمن فوزه في الثاني من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل ضد المرشح الديمقراطي.
والكشف عن فضائح جنسية لسياسيين ليس أمرًا جديدًا في الحياة السياسية الأميركية، خصوصاً خلال المعارك الانتخابية. ولعل المثال الأبرز على ذلك الاتهامات بالتحرش الجنسي التي وجهتها 16 امرأة أميركية إلى دونالد ترامب، المرشح الجمهوري قبيل الانتخابات الرئاسية، العام الماضي.