09 ابريل 2019
حماس ومصر.. التقاء تكتيكي واختلاف استراتيجي
عبد الحميد صبرة وحمزة أبو شنب
تمّ، في نهاية فبراير/ شباط الماضي (2019)، إسدال الستار على واحدةٍ من أكثر قضايا العلاقات الثنائية تعقيداً بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجمهورية مصر العربية، بالإفراج عن الشبان الأربعة الذين كانوا محتجزين لدى الأجهزة الأمنية المصرية، بعد اختفاء قسري قرابة أربعة أعوام، إثر زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، للقاهرة، دامت أربعة أسابيع، سبقها الإفراج عن آخرين من أبناء الجهاز العسكري للحركة، تم اعتقالهم على فترات متفاوتة.
يعدّ إنهاء قضية المحتجزين من أبناء "حماس" في السجون المصرية، وكانت من أبرز القضايا الأكثر ضغطاً على قيادة الحركة من قاعدتها التنظيمية، مؤشراً مهماً على تطور العلاقات المصرية الحمساوية. كما يُعتبر فتح الجانب المصري معبر رفح بصورة متواصلة نتاجاً ملموساً لتحسّن العلاقات بينهما، لا سيما من المنظور الشعبي لسكان قطاع غزة، في مسارٍ مغايرٍ لما كانت عليه هذه العلاقات من فتور؛ نتيجة اتهام مصر "حماس" بالإضرار بالأمن القومي المصري، إلا أن التحول الجوهري لمسار العلاقة اتضح عقب زيارة قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، مصر، في يونيو/حزيران 2017.
وعلى مدار العامين ونيف، تبادل الجانبان الزيارات على مستويات متعدّدة، لمتابعة قضايا
الوحدة الوطنية، ومسيرات العودة وما أثمرته من حراك سياسي لتخفيف الأزمة الإنسانية، والجوانب الأمنية. وأمام ما تشهده هذه العلاقات من تطوّر؛ ثمة قضايا يُجمع الطرفان على قواسمها المشتركة، وإمكانية تذليل ما يعتريها من عقبات، بيد أن خلافاً استراتيجياً في قضايا جوهرية ومحورية عديدة لديها قد يكون صعبا، بل من المستحيل أن تشهد تقاربا بينهما.
سيناء مفتاح الاستقرار وبؤرة التوتر
تمثل سيناء خاصرة ضعيفة لمصر واستنزافاً متواصلاً للدولة، خصوصا في جزئها الشمالي، حيث تشهد، بين الفينة والأخرى، صدامات مسلحة مع عناصر سيناوية متمرّدة على النظام، كما أنها تعتبر ملاذاً أمنياً للمطلوبين والملاحقين من الأجهزة الأمنية المصرية، ويشعر سكانها بالتهميش، وبأن المؤسسة الرسمية تعاملهم مواطني درجة ثانية. ويجعل هذا الواقع منها بؤرة توتر دائمة في بيئةٍ جغرافيةٍ معقدة، وقربها من مصالح حيوية عديدة، مثل ممر قناة السويس والسياحة في الجزء الجنوبي منها، ما يدفع النظام المصري إلى البحث عن حلول وتعاون يجلب له الاستقرار.
ثمّة دوافع عدة للطرفين للانفتاح والتعاون وتجاوز السنوات العجاف فيما بعد أحداث 3 يوليو عام 2013، فمصر ترى أن الحضور والفاعلية في المشهد الفلسطيني من الأهمية بمكان، في ظل تراجع حضورها الإقليمي، إضافة إلى عدم إخلاء الساحة لدول عربية وإقليمية (خصوصا قطر وإيران) يسمح بتعزيز حضورها أهم لاعب في تسوية الصراع بين العدو والعالم العربي. بيد أن الدافع المصري الأهم، حين باتت الأجهزة الأمنية المصرية على قناعةٍ ويقين بضرورة الانفتاح على "حماس"، وأن الأمن والاستقرار في سيناء لا يتحقق من دون التعاون بين الاستخبارات المصرية وحركة "حماس" (بصفتها الحاكم الميداني لقطاع غزة)، وأن المحافظة على الأمن القومي المصري تتطلب بناء علاقات جيدة مع القوة المسيطرة على حدود مصر مع فلسطين (قطاع غزة).
تشديد الحصار على قطاع غزة، واتهام "حماس" بحالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني في سيناء نتيجة عدم ضبط الحدود مع قطاع غزة، وتسلل أفراد تكفيريين من سيناء إلى القطاع والعكس، والذي يُعزى إلى وجود امتداداتٍ لقبائل وعائلات تقطن شمال سيناء في رفح الفلسطينية، بالإضافة إلى نشوء شبكة مصالح، عملت في تهريب البضائع والمستلزمات الحياتية من مصر إلى القطاع، وقد تبدّل ذلك كله إلى الاقتناع بأن الاتصال بحركة حماس، وتبادل المعلومات على جانبي الحدود، سينعكسان إيجابياً على عودة الهدوء إلى سيناء، وهذا ما تحقق منذ زيارة السنوار مصر، في يونيو/حزيران 2017.
وعلى صعيد حركة حماس، لم تتبدل دوافع الانفتاح على مصر، فالحركة ترى أن مصر هي
البوابة الوحيدة للحركة في قطاع غزة نحو العالم الخارجي، إضافة إلى دورها في رعاية ملف العلاقات الفلسطينية الداخلية، بتفويض من جامعة الدول العربية، وقدرتها على لعب دور الوساطة في ملفي تثبيت وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى مع العدو. ولم تكن "حماس" ترغب في توتر الأجواء مع القاهرة، لا سيما بعد ما مُنح للقطاع من تسهيلاتٍ في نهاية عهد حسني مبارك، ثم المجلس العسكري، وفي عام رئاسة محمد مرسي، إلا أن قناعة بعض الأجهزة الأمنية بضرورة اجتثاث كل من له علاقة بالإخوان المسلمين؛ هي التي ساهمت في إحداث حالة التوتر في الأعوام الماضية.
دافعان أساسيان ساهما في إقدام "حماس" على إعادة الترميم والبحث في سبل تطوير العلاقات مع مصر؛ الأول مرتبط بالتغيرات القيادية التي حصلت في رأس هرم الحركة، والتي تبنت رؤية بضرورة ترتيب العلاقات العربية والإقليمية للحركة، بعيداً عن الاصطفافات العربية الداخلية، خصوصا مع اشتداد الأزمات العربية العربية، بفرض حصار مشدد على قطر. ويمثل الدافع الثاني مصلحة مشتركة بين "حماس"، بصفتها حاكم قطاع غزة، ومصر، بصفتها تحارب التطرف في سيناء، مرتبط بنشوء جماعات تكفيرية مسلحة، باتت تهديداً حقيقياً لحركة حماس في قطاع غزة، وتمس بسلامة خطوط الإمداد العسكري لكتائب القسام وأمنها، إذ أن تنامي هذا النمط من الجماعات قد يضطر "حماس" إلى الدخول في صدامٍ معها على الحدود، ما يستنزف من مقدّراتها البشرية والعسكرية على حساب مقاومة الاحتلال الصهيوني، فالحركة حسمت المواجهة مع الجماعات التكفيرية مبكراً في عام 2009، ولا تريد العودة إلى الصدام المسلح الواسع معها.
تقاطعات ممكنة
ثمة قضايا عدة تساهم فيها مصر بدور إيجابي، وتعمل فيها بدور الوساطة المقبولة من جهة حركة حماس، ومن هذه القضايا:
1. الوحدة الوطنية: يعتبر ملف الوحدة الوطنية الفلسطينية أشبه بـ"الحصري" لدى الجانب المصري، فمصر، منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وهي تعمل بصورة دائمة على تخفيف الاحتقان بين الفصائل الفلسطينية، وتجمعها علاقات جيدة مع حركة حماس منذ أواسط التسعينيات، وقد برز دورها واضحا بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، فاستضافت اجتماع الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية، وما تلاه من محاولة رأب الصدع الميداني، إبّان الاشتباكات المسلحة في عامي 2006 و2007، وبعد أحداث يونيو/حزيران 2007 واصلت القاهرة العمل على ترتيب العلاقات الفلسطينية الداخلية، وقد وقّعت اتفاقيات عديدة بين الفصائل الفلسطينية، من أبرزها اتفاقيتا 2011 و2017.
تدرك مصر أن نجاح الوحدة الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق من دون تفاهمات إيجابية وتعامل سلس مع حركة حماس، بصفتها القوة الند لحركة فتح. بيد أن بعض أوساطها يرى أن تصدّر "حماس" المشهد السياسي الفلسطيني، ودخولها منظمة التحرير، سيمثل انتكاساً لمشروع التسوية الذي ترعاه مصر وتؤمن به، وتتلخص مساعيها في عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة قطاع غزة، ولا تمانع في أن تكون "حماس" جزءاً من المشهد الحكومي في إطار الرؤية الدولية لقضية فلسطين، باعتبارها حركةً لا يمكن تجاوزها؛ لما تمثله من حضور جماهيري واسع، وسيطرتها على قطاع غزة، وما تمتلكه من أدوات فاعلة ومؤثرة قد تقلب المشهد.
أما "حماس" فهي ترى أن مصر أكثر الدول العربية قدرةً على إدارة ملف الوحدة الوطنية، فهي الراعي المكلف، والأكثر خبرةً، والذي يحظى باحترام جميع الأطراف الفلسطينية، وإمكانية توفير الضمانات اللازمة لنجاح الملف، وأن أي طرف عربي أو إقليمي يرغب في لعب دور
في الوحدة الفلسطينية يمر عبر البوابة المصرية. وقد قدمت حركة حماس، أكثر من مرة، خطوات إيجابية لصالح مصر، كحلّ اللجنة الإدارية ووضعها وديعة لدى الجانب المصري، وتوقيع اتفاق 2017، والعمل الجاد على الأرض، والالتزام به متمثلاً بزيارة وزراء حكومة التوافق لقطاع غزة، وتسليم المعابر، في بداية نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
وبناءً على الارتياح المتبادل بين الطرفين في ملف الوحدة، وبناء على الضغط الذي يشكله قطاع غزة على الأطراف المحاصرة له عبر مسيرات العودة، والخشية من ارتدادات فوضى محتملة في القطاع، واصلت مصر العمل في معبر رفح بعد انسحاب موظفي رام الله، وعناصر حرس الرئيس منه، وعملت على السماح بإدخال مواد تموينية وبضائع ومعدات للقطاع بالتفاهم مع الحركة، في ظل إدارة الأجهزة الأمنية الحكومية في غزة للمعبر وتأمين الحدود.
2. التفاهمات والعلاقة مع الاحتلال: ساهمت مصر بصورة فاعلة في التفاهمات الأخيرة لتثبيت وقف إطلاق النار، حسب اتفاق 2014 بين المقاومة في قطاع غزة والاحتلال، ونجحت في تجنيب الأطراف المواجهة الواسعة، على مدار عام من مسيرات العودة. كما تلعب قطر دوراً محورياً في إنجاحها وتطبيقها على الأرض. ويسجل لمصر وقطر بأنهما تجنّبتا الخلافات العميقة بينهما في الملف الفلسطيني، وعملا بكل السبل، وبمتابعة من أعلى المستويات، للوصول إلى تفاهماتٍ تساهم في رفع الحصار عن قطاع غزة.
تعمل مصر على ضبط العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي منذ عام 2003، وقد نجحت، في حينه، في التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال، وتوسّع دورها في هذا المجال بعد أحداث يونيو 2007 في القطاع، وسيطرة حماس على قطاع غزة، فسعت إلى إبرام اتفاق 2008 بين "حماس" وإسرائيل، والتوصل إلى
وقف إطلاق نار أنهى عدوان 2009 و2012 و2014، كما تمكنت من إنجاز صفقة تبادل وفاء الأحرار في 2011، وتعمل، على مدار الوقت، لتنفيس أي تصعيد أو مواجهة بينهما.
ترى حركة حماس أن مصر تمتلك مفتاح التأثير وعوامل النجاح في ملف العلاقة مع الاحتلال، وأن التجربة على مدار سنوات طويلة كفيلةٌ بأن تحافظ "حماس" على مصر وسيطا؛ فهي مقبولة إسرائيلياً، ومن فصائل المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فحركة حماس لا تمانع في أن تتولى مصر الوساطة في أي ملف تبادل قادم، وإن كان ثمّة تحفّظ لفشل مصر في ضمان اتفاق صفقة تبادل الجندي شاليط، إلا أن ملف التبادل بالنسبة للحركة يبقى مفتوحاً لمن ينجح في تحقيق مطالبها.
3. استقرار الأوضاع الأمنية في غزة: تشترك مصر و"حماس" في هدف استقرار الأوضاع الأمنية في قطاع غزة، فمصر تدرك أن أي زعزعة لحالة الضبط الأمني ستنتقل مفاعيلها إلى مصر. ولذلك تسعى، بكل السبل، إلى إبعاد شبح الفوضى عن قطاع غزة، كي لا يساهم في تردّي الأوضاع الأمنية في سيناء. ومن منطلق المحافظة على الاستقرار وعدم الانجرار إلى الفوضى الأمنية؛ عمدت مصر إلى العمل على تخفيف الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، خصوصا مع تزايد أعداد سكان القطاع، وتأزم الأوضاع المعيشية نتيجة الحصار، فعقدت لقاءات أمنية عديدة مشتركة، بهدف المحافظة على تأمين الحدود بين الجانبين.
اختلاف جوهري
التقارب والانفتاح بين "حماس" ومصر وتنامي العلاقات بينهما لا يعني أن الطرفين في طريقهما إلى حالة من التوافق على الموضوعات كافة، فهناك قضايا فيها تباين واسع في الرؤى، وليس من السهل توحيدها، ولعل أهمها:
1. التسوية والمبادرة العربية: ملف التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وما توافق عليه العرب في قمة بيروت عام 2002 حول المبادرة العربية، تتبنّاه مصر وتعتبره أحد محدّدات السياسة الخارجية لها، والسقف السياسي المقبول لدى الأنظمة العربية كافة، فمصر عرّاب التسوية مع العدو الإسرائيلي، وهي أول من وقّع معاهدة سلام معه، إثر زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الكيان الإسرائيلي.
كما أثرت مصر على منظمة التحرير والرئيس الراحل ياسر عرفات في الجنوح نحو توقيع اتفاق السلام، وقد تم توقيع اتفاق أوسلو (2) في القاهرة، في مايو/أيار عام 1994، كما استضافت حوارات ثنائية عديدة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وحرصت مصر على الوصول إلى حل نهائي بينهما على أساس حدود عام 1967.
يتعارض الموقف المصري مع موقف الحركة الاستراتيجي من المشروع الصهيوني الذي تراه مناقضًا بشكل جذري لحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يمكن التعايش معه، فعلى الرغم من طرح مصر على "حماس" إجراء حوار استراتيجي بينهما يناقش الموقف من إسرائيل، إلا أن عملية التسوية لا يمكن أن تكون مقبولة من الحركة الإسلامية التي ترى أن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن انتزاعها إلا بالقوة، وقبول الحركة بدولة فلسطينية على حدود 67 جاء برنامج حد أدنى بين الفصائل، ولا يعني القبول الضمني بحل الدولتين، ولا نهاية للصراع.. إذ أن نهاية الصراع تعني تصفية المشروع الصهيوني، وتقتضي حتمًا تحرير فلسطين التاريخية وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها. وهي قد وافقت على إقامة دولة في حدود 1967 برنامج حد أدنى بين الفصائل الفلسطينية، لا نهاية للصراع، وهي ترى أن هذه الدولة لن تأتي سوى باستخدام القوة، وليس باستجداء الضغوط الدولية على إسرائيل، كما لا زالت التعبئة التنظيمية لأفراد "حماس"، وكذلك خطابها الجماهيري يركزان على مفردات التحرير والعودة.
2. العلاقات الخارجية لحركة حماس: تتمتع "حماس" بعلاقات جيدة مع دول عربية وإسلامية
عديدة، وتجمعها علاقات مميزة مع الحركات الإسلامية وأحزاب قومية عديدة وأصدقاء فلسطين، كما تربطها علاقات متينة مع إيران وقطر وتركيا، وإن كانت تركيا أقلهم من حيث الدعم والتميز في العلاقة مقارنة بطهران والدوحة. والدول الثلاث في حالة تناقض مع السياسة المصرية على الساحة العربية، وتشهد علاقتها بهم قطيعة، فمصر تتهم قطر وتركيا بدعم جماعة الإخوان المسلمين، والتدخل في شأنها الداخلي، كما أن إيران منذ الثورة وعلاقاتها بمصر مضطربة، بالإضافة إلى أن مصر جزء فاعل من المحور الملاحق للجماعات الإسلامية في المنطقة.
ثمّة فرق واضح في علاقات "حماس" الخارجية، والمصالح المصرية مع أصدقاء الحركة، فتقاربهما لم يغير من سياسة أي منهما، ولا يمكن أن تستعيض الحركة عن مصر بأي من الدول الأخرى. وربما من المهم الإشارة إلى أن الجانبين نجحا في بناء علاقات أفضل من السابق، لكن ستبقى العلاقات الخارجية لحركة حماس منفصلة عن علاقتها بمصر، فحماس ترى أن الأحزاب والجماعات العربية والإسلامية أحد ركائز حاضنتها الشعبية.
قد تتقاطع مصر مع كل من قطر وتركيا في رؤيتها تجاه حل الصراع مع العدو الإسرائيلي، كما أنهم منسجمون مع الطرح الأميركي في المنطقة بشأن ملفات عديدة، إلا أن طهران تمثل التحدي الأكبر، فلا يمتلك أحدٌ البدائل التي تقدمها إيران لحركة حماس، وترى قيادة "حماس" الحالية، والمدعومة من ذراعها العسكرية، أن العلاقات مع إيران وحلفائها بالغة الأهمية، لما تقدمه من دعم عسكري ومالي، ساهم بصورة ملموسة في تحسين قدرات حماس العسكرية.
سيظل هذا الملف إشكالياً مع مصر، خصوصا أن مصر تسعى إلى أن تكون صاحبة النفوذ الأعلى في القطاع، ومعنية بإبقاء أوراق قوتها إزاءه. ومن هنا، يأتي رفضها فكرة الممر المائي الذي يتيح لغزة التواصل مع العالم الخارجي بشكل مباشر، من دون وساطة مصر وإسرائيل.
3. تهريب السلاح: تعتمد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على تهريب الأدوات القتالية
والمعدات العسكرية في إطار مقاومتها الاحتلال، وتعتبر منطقة سيناء من أهم الممرات المعتمد عليها في نقل السلاح والعتاد إلى المقاومة، بالإضافة إلى البحر وغيره من الطرق والوسائل، وشكّل نقل السلاح أحد القضايا الإشكالية بين مصر وإسرائيل، حتى سيطرة الجيش المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي على الحكم في مصر، كما اعتقلت مصر فلسطينيين ومصريين عديدين من سيناء على خلفية نقل السلاح، كما أقامت أيضاً منطقة عازلة لمنع الإمدادات، بأشكالها كافة، عبر الأنفاق الحدودية بين مصر وقطاع غزة، والتي تم تدمير أغلبها.
قضية شائكة بكل جوانبها، إلا أنها لم تطرح للنقاش في ظل تحسّن العلاقات بين "حماس" ومصر، فمصر تدرك أن فلسفة العمل العسكري لفصائل المقاومة لن تمنعها من مواصلة العمل على جلب الأسلحة، فلا جدوى من طرح قضية ستكون الإجابة فيها واضحة، وحتى لو أُعطيت وعود، فإن الجانب المصري يعي أنها ستكون كلامية، وستعمل المقاومة على الالتفاف عليها. وبناء عليه، فإن "حماس" ومصر تتحاشيان الحديث حولها.
وفي ظل الواقع الأمني في سيناء، ما يهم الجانب المصري عدم استخدام السلاح المنقول إلى غزة ضد الجيش المصري والمصالح المصرية، ولذلك يعمل كل طرف بما يحقق مصلحته في هذا الملف، فمصر تلاحق عمليات التهريب وفق مصالحها، وتحرص على تجنب الانتقادات الإسرائيلية، فثمة اتفاق ضمني وغير معلن يسمح للطائرات الإسرائيلية بدون طيار باستهداف وسائل النقل التي يرجّح أنها تنقل سلاحا إلى غزة، وبذلك يعمل كل طرف وفق رؤيته، من دون أن يشكل تهديداً على العلاقات الثنائية.
خلاصة
لن تشهد العلاقات بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومصر، ممثلةً في جهاز المخابرات العامة، أي تراجع في المرحلة المقبلة، بل ستشهد مزيداً من التحسن، وسيتواصل الجهد المشترك فيما يتعلق بتأمين جانبي الحدود، بما يحقق الاستقرار الأمني في سيناء، مع منح غزة مزيداً من التسهيلات، لتخفيف الأزمات الإنسانية. كما ستواصل مصر جهودها في استعادة الوحدة الوطنية بين حركتي حماس وفتح، لكن تعثّر هذا الملف لن ينعكس سلباً على علاقة "حماس" بمصر، وستحافظ الحركة على علاقاتها الخارجية، وستعمل على تطويرها، خصوصا مع إيران وقطر، ولن توقف جهودها في نقل الأسلحة وتطوير أدواتها القتالية، كما ستستمر مصر في إدارتها ملف العلاقة بين المقاومة والاحتلال.
يعدّ إنهاء قضية المحتجزين من أبناء "حماس" في السجون المصرية، وكانت من أبرز القضايا الأكثر ضغطاً على قيادة الحركة من قاعدتها التنظيمية، مؤشراً مهماً على تطور العلاقات المصرية الحمساوية. كما يُعتبر فتح الجانب المصري معبر رفح بصورة متواصلة نتاجاً ملموساً لتحسّن العلاقات بينهما، لا سيما من المنظور الشعبي لسكان قطاع غزة، في مسارٍ مغايرٍ لما كانت عليه هذه العلاقات من فتور؛ نتيجة اتهام مصر "حماس" بالإضرار بالأمن القومي المصري، إلا أن التحول الجوهري لمسار العلاقة اتضح عقب زيارة قائد حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، مصر، في يونيو/حزيران 2017.
وعلى مدار العامين ونيف، تبادل الجانبان الزيارات على مستويات متعدّدة، لمتابعة قضايا
سيناء مفتاح الاستقرار وبؤرة التوتر
تمثل سيناء خاصرة ضعيفة لمصر واستنزافاً متواصلاً للدولة، خصوصا في جزئها الشمالي، حيث تشهد، بين الفينة والأخرى، صدامات مسلحة مع عناصر سيناوية متمرّدة على النظام، كما أنها تعتبر ملاذاً أمنياً للمطلوبين والملاحقين من الأجهزة الأمنية المصرية، ويشعر سكانها بالتهميش، وبأن المؤسسة الرسمية تعاملهم مواطني درجة ثانية. ويجعل هذا الواقع منها بؤرة توتر دائمة في بيئةٍ جغرافيةٍ معقدة، وقربها من مصالح حيوية عديدة، مثل ممر قناة السويس والسياحة في الجزء الجنوبي منها، ما يدفع النظام المصري إلى البحث عن حلول وتعاون يجلب له الاستقرار.
ثمّة دوافع عدة للطرفين للانفتاح والتعاون وتجاوز السنوات العجاف فيما بعد أحداث 3 يوليو عام 2013، فمصر ترى أن الحضور والفاعلية في المشهد الفلسطيني من الأهمية بمكان، في ظل تراجع حضورها الإقليمي، إضافة إلى عدم إخلاء الساحة لدول عربية وإقليمية (خصوصا قطر وإيران) يسمح بتعزيز حضورها أهم لاعب في تسوية الصراع بين العدو والعالم العربي. بيد أن الدافع المصري الأهم، حين باتت الأجهزة الأمنية المصرية على قناعةٍ ويقين بضرورة الانفتاح على "حماس"، وأن الأمن والاستقرار في سيناء لا يتحقق من دون التعاون بين الاستخبارات المصرية وحركة "حماس" (بصفتها الحاكم الميداني لقطاع غزة)، وأن المحافظة على الأمن القومي المصري تتطلب بناء علاقات جيدة مع القوة المسيطرة على حدود مصر مع فلسطين (قطاع غزة).
تشديد الحصار على قطاع غزة، واتهام "حماس" بحالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني في سيناء نتيجة عدم ضبط الحدود مع قطاع غزة، وتسلل أفراد تكفيريين من سيناء إلى القطاع والعكس، والذي يُعزى إلى وجود امتداداتٍ لقبائل وعائلات تقطن شمال سيناء في رفح الفلسطينية، بالإضافة إلى نشوء شبكة مصالح، عملت في تهريب البضائع والمستلزمات الحياتية من مصر إلى القطاع، وقد تبدّل ذلك كله إلى الاقتناع بأن الاتصال بحركة حماس، وتبادل المعلومات على جانبي الحدود، سينعكسان إيجابياً على عودة الهدوء إلى سيناء، وهذا ما تحقق منذ زيارة السنوار مصر، في يونيو/حزيران 2017.
وعلى صعيد حركة حماس، لم تتبدل دوافع الانفتاح على مصر، فالحركة ترى أن مصر هي
دافعان أساسيان ساهما في إقدام "حماس" على إعادة الترميم والبحث في سبل تطوير العلاقات مع مصر؛ الأول مرتبط بالتغيرات القيادية التي حصلت في رأس هرم الحركة، والتي تبنت رؤية بضرورة ترتيب العلاقات العربية والإقليمية للحركة، بعيداً عن الاصطفافات العربية الداخلية، خصوصا مع اشتداد الأزمات العربية العربية، بفرض حصار مشدد على قطر. ويمثل الدافع الثاني مصلحة مشتركة بين "حماس"، بصفتها حاكم قطاع غزة، ومصر، بصفتها تحارب التطرف في سيناء، مرتبط بنشوء جماعات تكفيرية مسلحة، باتت تهديداً حقيقياً لحركة حماس في قطاع غزة، وتمس بسلامة خطوط الإمداد العسكري لكتائب القسام وأمنها، إذ أن تنامي هذا النمط من الجماعات قد يضطر "حماس" إلى الدخول في صدامٍ معها على الحدود، ما يستنزف من مقدّراتها البشرية والعسكرية على حساب مقاومة الاحتلال الصهيوني، فالحركة حسمت المواجهة مع الجماعات التكفيرية مبكراً في عام 2009، ولا تريد العودة إلى الصدام المسلح الواسع معها.
تقاطعات ممكنة
ثمة قضايا عدة تساهم فيها مصر بدور إيجابي، وتعمل فيها بدور الوساطة المقبولة من جهة حركة حماس، ومن هذه القضايا:
1. الوحدة الوطنية: يعتبر ملف الوحدة الوطنية الفلسطينية أشبه بـ"الحصري" لدى الجانب المصري، فمصر، منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وهي تعمل بصورة دائمة على تخفيف الاحتقان بين الفصائل الفلسطينية، وتجمعها علاقات جيدة مع حركة حماس منذ أواسط التسعينيات، وقد برز دورها واضحا بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، فاستضافت اجتماع الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية، وما تلاه من محاولة رأب الصدع الميداني، إبّان الاشتباكات المسلحة في عامي 2006 و2007، وبعد أحداث يونيو/حزيران 2007 واصلت القاهرة العمل على ترتيب العلاقات الفلسطينية الداخلية، وقد وقّعت اتفاقيات عديدة بين الفصائل الفلسطينية، من أبرزها اتفاقيتا 2011 و2017.
تدرك مصر أن نجاح الوحدة الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق من دون تفاهمات إيجابية وتعامل سلس مع حركة حماس، بصفتها القوة الند لحركة فتح. بيد أن بعض أوساطها يرى أن تصدّر "حماس" المشهد السياسي الفلسطيني، ودخولها منظمة التحرير، سيمثل انتكاساً لمشروع التسوية الذي ترعاه مصر وتؤمن به، وتتلخص مساعيها في عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة قطاع غزة، ولا تمانع في أن تكون "حماس" جزءاً من المشهد الحكومي في إطار الرؤية الدولية لقضية فلسطين، باعتبارها حركةً لا يمكن تجاوزها؛ لما تمثله من حضور جماهيري واسع، وسيطرتها على قطاع غزة، وما تمتلكه من أدوات فاعلة ومؤثرة قد تقلب المشهد.
أما "حماس" فهي ترى أن مصر أكثر الدول العربية قدرةً على إدارة ملف الوحدة الوطنية، فهي الراعي المكلف، والأكثر خبرةً، والذي يحظى باحترام جميع الأطراف الفلسطينية، وإمكانية توفير الضمانات اللازمة لنجاح الملف، وأن أي طرف عربي أو إقليمي يرغب في لعب دور
وبناءً على الارتياح المتبادل بين الطرفين في ملف الوحدة، وبناء على الضغط الذي يشكله قطاع غزة على الأطراف المحاصرة له عبر مسيرات العودة، والخشية من ارتدادات فوضى محتملة في القطاع، واصلت مصر العمل في معبر رفح بعد انسحاب موظفي رام الله، وعناصر حرس الرئيس منه، وعملت على السماح بإدخال مواد تموينية وبضائع ومعدات للقطاع بالتفاهم مع الحركة، في ظل إدارة الأجهزة الأمنية الحكومية في غزة للمعبر وتأمين الحدود.
2. التفاهمات والعلاقة مع الاحتلال: ساهمت مصر بصورة فاعلة في التفاهمات الأخيرة لتثبيت وقف إطلاق النار، حسب اتفاق 2014 بين المقاومة في قطاع غزة والاحتلال، ونجحت في تجنيب الأطراف المواجهة الواسعة، على مدار عام من مسيرات العودة. كما تلعب قطر دوراً محورياً في إنجاحها وتطبيقها على الأرض. ويسجل لمصر وقطر بأنهما تجنّبتا الخلافات العميقة بينهما في الملف الفلسطيني، وعملا بكل السبل، وبمتابعة من أعلى المستويات، للوصول إلى تفاهماتٍ تساهم في رفع الحصار عن قطاع غزة.
تعمل مصر على ضبط العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي منذ عام 2003، وقد نجحت، في حينه، في التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال، وتوسّع دورها في هذا المجال بعد أحداث يونيو 2007 في القطاع، وسيطرة حماس على قطاع غزة، فسعت إلى إبرام اتفاق 2008 بين "حماس" وإسرائيل، والتوصل إلى
ترى حركة حماس أن مصر تمتلك مفتاح التأثير وعوامل النجاح في ملف العلاقة مع الاحتلال، وأن التجربة على مدار سنوات طويلة كفيلةٌ بأن تحافظ "حماس" على مصر وسيطا؛ فهي مقبولة إسرائيلياً، ومن فصائل المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فحركة حماس لا تمانع في أن تتولى مصر الوساطة في أي ملف تبادل قادم، وإن كان ثمّة تحفّظ لفشل مصر في ضمان اتفاق صفقة تبادل الجندي شاليط، إلا أن ملف التبادل بالنسبة للحركة يبقى مفتوحاً لمن ينجح في تحقيق مطالبها.
3. استقرار الأوضاع الأمنية في غزة: تشترك مصر و"حماس" في هدف استقرار الأوضاع الأمنية في قطاع غزة، فمصر تدرك أن أي زعزعة لحالة الضبط الأمني ستنتقل مفاعيلها إلى مصر. ولذلك تسعى، بكل السبل، إلى إبعاد شبح الفوضى عن قطاع غزة، كي لا يساهم في تردّي الأوضاع الأمنية في سيناء. ومن منطلق المحافظة على الاستقرار وعدم الانجرار إلى الفوضى الأمنية؛ عمدت مصر إلى العمل على تخفيف الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، خصوصا مع تزايد أعداد سكان القطاع، وتأزم الأوضاع المعيشية نتيجة الحصار، فعقدت لقاءات أمنية عديدة مشتركة، بهدف المحافظة على تأمين الحدود بين الجانبين.
اختلاف جوهري
التقارب والانفتاح بين "حماس" ومصر وتنامي العلاقات بينهما لا يعني أن الطرفين في طريقهما إلى حالة من التوافق على الموضوعات كافة، فهناك قضايا فيها تباين واسع في الرؤى، وليس من السهل توحيدها، ولعل أهمها:
1. التسوية والمبادرة العربية: ملف التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وما توافق عليه العرب في قمة بيروت عام 2002 حول المبادرة العربية، تتبنّاه مصر وتعتبره أحد محدّدات السياسة الخارجية لها، والسقف السياسي المقبول لدى الأنظمة العربية كافة، فمصر عرّاب التسوية مع العدو الإسرائيلي، وهي أول من وقّع معاهدة سلام معه، إثر زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الكيان الإسرائيلي.
كما أثرت مصر على منظمة التحرير والرئيس الراحل ياسر عرفات في الجنوح نحو توقيع اتفاق السلام، وقد تم توقيع اتفاق أوسلو (2) في القاهرة، في مايو/أيار عام 1994، كما استضافت حوارات ثنائية عديدة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وحرصت مصر على الوصول إلى حل نهائي بينهما على أساس حدود عام 1967.
يتعارض الموقف المصري مع موقف الحركة الاستراتيجي من المشروع الصهيوني الذي تراه مناقضًا بشكل جذري لحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يمكن التعايش معه، فعلى الرغم من طرح مصر على "حماس" إجراء حوار استراتيجي بينهما يناقش الموقف من إسرائيل، إلا أن عملية التسوية لا يمكن أن تكون مقبولة من الحركة الإسلامية التي ترى أن حقوق الشعب الفلسطيني لا يمكن انتزاعها إلا بالقوة، وقبول الحركة بدولة فلسطينية على حدود 67 جاء برنامج حد أدنى بين الفصائل، ولا يعني القبول الضمني بحل الدولتين، ولا نهاية للصراع.. إذ أن نهاية الصراع تعني تصفية المشروع الصهيوني، وتقتضي حتمًا تحرير فلسطين التاريخية وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها. وهي قد وافقت على إقامة دولة في حدود 1967 برنامج حد أدنى بين الفصائل الفلسطينية، لا نهاية للصراع، وهي ترى أن هذه الدولة لن تأتي سوى باستخدام القوة، وليس باستجداء الضغوط الدولية على إسرائيل، كما لا زالت التعبئة التنظيمية لأفراد "حماس"، وكذلك خطابها الجماهيري يركزان على مفردات التحرير والعودة.
2. العلاقات الخارجية لحركة حماس: تتمتع "حماس" بعلاقات جيدة مع دول عربية وإسلامية
ثمّة فرق واضح في علاقات "حماس" الخارجية، والمصالح المصرية مع أصدقاء الحركة، فتقاربهما لم يغير من سياسة أي منهما، ولا يمكن أن تستعيض الحركة عن مصر بأي من الدول الأخرى. وربما من المهم الإشارة إلى أن الجانبين نجحا في بناء علاقات أفضل من السابق، لكن ستبقى العلاقات الخارجية لحركة حماس منفصلة عن علاقتها بمصر، فحماس ترى أن الأحزاب والجماعات العربية والإسلامية أحد ركائز حاضنتها الشعبية.
قد تتقاطع مصر مع كل من قطر وتركيا في رؤيتها تجاه حل الصراع مع العدو الإسرائيلي، كما أنهم منسجمون مع الطرح الأميركي في المنطقة بشأن ملفات عديدة، إلا أن طهران تمثل التحدي الأكبر، فلا يمتلك أحدٌ البدائل التي تقدمها إيران لحركة حماس، وترى قيادة "حماس" الحالية، والمدعومة من ذراعها العسكرية، أن العلاقات مع إيران وحلفائها بالغة الأهمية، لما تقدمه من دعم عسكري ومالي، ساهم بصورة ملموسة في تحسين قدرات حماس العسكرية.
سيظل هذا الملف إشكالياً مع مصر، خصوصا أن مصر تسعى إلى أن تكون صاحبة النفوذ الأعلى في القطاع، ومعنية بإبقاء أوراق قوتها إزاءه. ومن هنا، يأتي رفضها فكرة الممر المائي الذي يتيح لغزة التواصل مع العالم الخارجي بشكل مباشر، من دون وساطة مصر وإسرائيل.
3. تهريب السلاح: تعتمد حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على تهريب الأدوات القتالية
قضية شائكة بكل جوانبها، إلا أنها لم تطرح للنقاش في ظل تحسّن العلاقات بين "حماس" ومصر، فمصر تدرك أن فلسفة العمل العسكري لفصائل المقاومة لن تمنعها من مواصلة العمل على جلب الأسلحة، فلا جدوى من طرح قضية ستكون الإجابة فيها واضحة، وحتى لو أُعطيت وعود، فإن الجانب المصري يعي أنها ستكون كلامية، وستعمل المقاومة على الالتفاف عليها. وبناء عليه، فإن "حماس" ومصر تتحاشيان الحديث حولها.
وفي ظل الواقع الأمني في سيناء، ما يهم الجانب المصري عدم استخدام السلاح المنقول إلى غزة ضد الجيش المصري والمصالح المصرية، ولذلك يعمل كل طرف بما يحقق مصلحته في هذا الملف، فمصر تلاحق عمليات التهريب وفق مصالحها، وتحرص على تجنب الانتقادات الإسرائيلية، فثمة اتفاق ضمني وغير معلن يسمح للطائرات الإسرائيلية بدون طيار باستهداف وسائل النقل التي يرجّح أنها تنقل سلاحا إلى غزة، وبذلك يعمل كل طرف وفق رؤيته، من دون أن يشكل تهديداً على العلاقات الثنائية.
خلاصة
لن تشهد العلاقات بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومصر، ممثلةً في جهاز المخابرات العامة، أي تراجع في المرحلة المقبلة، بل ستشهد مزيداً من التحسن، وسيتواصل الجهد المشترك فيما يتعلق بتأمين جانبي الحدود، بما يحقق الاستقرار الأمني في سيناء، مع منح غزة مزيداً من التسهيلات، لتخفيف الأزمات الإنسانية. كما ستواصل مصر جهودها في استعادة الوحدة الوطنية بين حركتي حماس وفتح، لكن تعثّر هذا الملف لن ينعكس سلباً على علاقة "حماس" بمصر، وستحافظ الحركة على علاقاتها الخارجية، وستعمل على تطويرها، خصوصا مع إيران وقطر، ولن توقف جهودها في نقل الأسلحة وتطوير أدواتها القتالية، كما ستستمر مصر في إدارتها ملف العلاقة بين المقاومة والاحتلال.
دلالات
مقالات أخرى
08 ابريل 2019