حماس والسيسي في فيينا

14 ديسمبر 2016
+ الخط -


كنت جائعا حين سألت موظف الفندق المصري أن يدلني على مكان. ففعل الشاب خيرا، ولكنه أي خير ذاك الذي يضعك فجأة في مبنى يافطته "اتحاد الجاليات المصرية". وتحت صورة السيسي مباشرة
، تكتشف بعد دقائق أنك جالس وعلى شمالها في الأدنى، صورة لجمال عبد الناصر ومحمد نجيب بحجم قطعة ورقة A4، بينما صورة "الريس" 60 في 50 على الأقل.


قبل أن أصعد الدرج صادفني من يطلقون عليه "الأستاذ"، لم يبدُ عليه أنه مصري، لكنه راح يستنطقني عن سبب تصويري لوحة الاتحاد... سُعدت بأن الرجل مصري فقلت له أرسلني أحدهم من الفندق، وقال لي إن للجالية المصرية مقرا وفيه مطبخ ومطعم... بعد ساعتين وجدتني أعود... أي بعد صلاة الظهر...


شقة في شارع المشاة هي مقر لهذا الاتحاد... ولم أكن أعلم عنه شيئا سوى أنه مصري، فأيام كفر الدوار والكنايز وناس ساحة الساعة في الإسكندرية جعلتني متوهما بأن الناس كما هي لا تتغير، مهما اختلفت الجغرافية...


صفان من الطاولات في غرفة وصالون كبير... يجلس قبالتي الأستاذ وسعيد، هكذا عرفتهما من مناداة الناس لهما... جاء بصحن وعيش لأتناول الغداء... اللقمة الأولى غصت في حلقي حين وقع نظري إلى اليمين على صورة "الريس"... قبل أن يكملها عبد الجواد الفلسطيني، الذي علمت لاحقا من يكون حين استعرض بعض عضلاته عن الأستذة العربية وختمها بـ" قلت للشرطي هات الإنجيل لأريك"...

هو يعترف بأنه عبر مترجم كان يريد أن يثبت للشرطي بأنه من فلسطين... لكن على طاولة الأكل كان الرجل، وهو آت رفقة الأستاذ، يقول حرفيا للتعريف بنفسه: " أنا من بلد غير موجود أصلا على الخارطة"... 
لم ينته الأمر بعد... نحن في جلسة طعام ... تتحول رويدا إلى جلسة تحقيق...


هل أنت درزي؟ يسألني  سعيد الذي يعمل ابنه "صحافيا مذيعا"...عدت إلى غصتي ثانية...

قلت: "وما علاقة هذا بذاك؟". لكن يبدو أن جلسة التحقيق لا تنتهي هنا... فإذ بنا أمام وجبة شتائم بحق العرب... فوبيا قطر تحضر مثل حضور الهواء الذي يتنفسه بعض البشر..ولم تمض دقيقة على صدمتي، حتى انهالت أسئلة لم أفهم مغزاها بداية...


كيف وصلت إلى الفندق الذي تقيم فيه؟

من موقع "اكسبيديا" يا أستاذ...

لم أكمل جملتي حتى راح يسأل "أتظننا لا نعرف كل شيء؟ ومن يمول كل هذا؟ نحن نعرف عن هؤلاء كل تحركاتهم وكل ما يقومون به"...


تعجبت لهذه العدوانية التي لم أفهم منها أي شيء بعد... أزحت صحني جانبا، وسألت: هل هذا المقر للجالية المصرية بكل مشاربها واتجاهاتها؟ هنا انكشف كل شيء... دفعة واحدة انهارت لعبة الغمز واللمز... وفجأة صرت غير مرغوب بي... لكن لا يمكنك أن تطرد شخصا مباشرة... فالطريقة العربية الفريدة هي تلك التي تنضح بأمراض التمويه المرافق للتخلف "أنت فيك شيئ غير واضح"... ينهي سعيد جملته التي استدعتني أن أسأل لمن أدفع ثمن الأكل...


دفعت ما تيسر وتحت وابل ما قيل بحق بعض العرب وجدتني في الشارع، أستنطق الشباب النمساوي عن توجهاته الفكرية ورؤيته لمشكلة وأزمة بلده السياسية... ليس في الأمر لعبة... الناس يقولون لك وجهة نظرهم بدون لف ودوران...


مساء فهمت القصة... فهؤلاء المساكين، ولأن الفندق، مملوك لمستثمر فلسطيني، ينزل فيه جرحى من غزة "هو فندق حماس"... وعندما سألت مصريا اسمه مصطفى على ناصية الشارع يشوي الكستناء ابتسم وقال: "انقسام الجالية المصرية أعمق وأخطر مما تتصور".


كل من لا يحب السيسي في فيينا "إخواني"... فما بالك بسعيد الذي وجدني غريبا أن أدخل مقرا لجالية السيسي ويكتشف من أية جريدة أنا آت... فراح يلعب دوراً أكبر قليلا من دور المخبر... للتحقيق معي...


أما عن امتلاك حماس لفندق في عاصمة لعب الاستخبارات، فيينا، حيث مقرات بعثات ومنظمات معروفة... فضحك منها أستاذ جامعي عربي التقيته ذات مساء للحديث عن شجون العرب في ذلك البلد قائلا:" أيظن هؤلاء بأن حماس يُسكت عنها استخباراتيا مثلا؟"


ما علينا، ما يهم هنا أن فيينا تعبر عن فضيحة كبيرة لحالة عربية منقسمة إلى هذا الحد الجنوني في: التخوين والتكفير حتى... والشك والانشغال بسطحية، في بلاد الديمقراطية حيث يحجر على الأخ أن يكون جزءا من جلسة أسبوعية... وكم ذكرني ذلك بأبو الغيط وشعاراته في تكسير الأرجل...


"مؤسف  حال العرب هنا " يقولها العربي الأحوازي أبو سلطان... وبالفعل مؤسف ومخجل أن نكون عراة حتى من مروءة لم يبق منها غير بعض الرياء... وأين؟ في مهاجر التنعم بأنظمة فتح الفم في غير عيادة طبيب الأسنان... لكن شعار البعض ما يزال هو هو: "امشِ الحيط الحيط وقل يا ربي الستر"...

 

 

دلالات