27 سبتمبر 2018
حماس تقبل بالحل المرحلي
ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن قبولها بدولة على حدود سنة 1967، ولا تكرارها عدم الاعتراف بالدولة الصهيونية، وهي تقبل هذا الحل، فقد تكرّر الموقف عديد المرات، منذ شاركت في الانتخابات التشريعية سنة 2006، وبعد أن نجحت في الحصول على الأغلبية. لكن، ربما هذه المرة ضمّنت "حماس" ذلك في برنامجها السياسي. طبعاً، مع تضمين البرنامج الموقف "المبدئي" من فلسطين واللاجئين ودولة الاحتلال الاستيطاني، والمقاومة والتحرير. ولقد أشرت حينذاك إلى أن حركة حماس تتبع خطى حركة فتح في تنازلاتها، لأن "فتح" وكل الفصائل الفلسطينية التي تعتبر الآن أن حل الدولتين الحل النهائي، كانت قد بدأت بـ "تبليع" الشعب الفلسطيني الحل نقطةَ نقطة. لهذا، مع قبولها الدولة الفلسطينية على الأرض التي جرى احتلالها سنة 1967، كانت تزيد من "دوز" التشدّد، مؤكدة على كل فلسطين من النهر إلى البحر، وعلى المقاومة والتحرير، مردفةً أن الظروف تفرض القبول بهذا الحل الذي يؤكد على إقامة "دولة فلسطينية" على 20% من أرض فلسطين التي جرى التشدُّد في التمسّك بها.
وحركة حماس تفعل ذلك الآن، وبالطريقة ذاتها. لكن، بعد أن بات حلّ الدولتين من الماضي، وظهر أنه لم يكن سوى وهم جرى تعميمه، لكي تقوم الدولة الصهيونية بالسيطرة على الأرض وبناء المستوطنات. وبات كل الحديث يجري عن "الدولة الواحدة"، فحلُّ الضفة الغربية بات مسيطراً على جزء أساسي من أرضها، وأصبحت المدن محاصرةً بالجدار والطرق الالتفافية والحواجز. كما أصبح الحل المطروح واضحاً بشكل لافت، ويقوم على إعطاء السكان "حكماً ذاتياً موسّعاً"، بعد ضم المنطقة ج التي تشمل الأرض، وكذلك جزءا من ب التي تشمل القرى. حيث تحاول الدولة الصهيونية التقدّم خطوة في طريق "الحل" التي تعني ضم الأرض وإخراج السكان من المعادلة. وهي تعتقد أن الوضع الأميركي الجديد يمكن أن يساعد في ذلك، وأن روسيا التي اعترفت بالقدس الغربية عاصمة للدولة الصهيونية يمكن أن لا تعارض هذا الحل.
أما غزة، فهي تحت سلطة حماس محاصرةٌ من كل الجهات (من الدولة الصهيونية، ومن النظام المصري)، وتعيش حالة خنق مريعة. ولا تخرج سلطة حماس عن فعل الخنق هذا، لأنها تمارس الاستبداد والأصولية المفرطة، على الرغم من كل ما ورد في البرنامج الجديد من إشارةٍ الى الديمقراطية والحرية والكرامة، ومن رفض التمييز، وكذلك من "التعدّدية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار". وقد دفعت هذه الوضعية وتدفع وستدفع كثيرين من سكان غزة إلى الرحيل في أول فرصة ممكنة، لأنها باتت "غير صالحة للعيش"، خصوصاً بعد "عقوبات" السلطة بتنزيل الرواتب، وعدم دفع فاتورة الكهرباء. وبالتالي، يعيش سكان غزة في وضعيةٍ غاية في الصعوبة، و"حماس" ممن يساهم في ذلك.
على ضوء ذلك، ما الهدف من خطوة "حماس" الجديدة؟ ستبدو بلا نتيجة، لأنها جاءت بعد أن فشل كل المسار الذي قام على "القبول بدولة على حدود سنة 1967"، لكنها ليست ضربة طائشة في الهواء. وليست في معزل عما يدور من أحاديث عن "صفقة القرن" التي تعني تفاهم الدول العربية مع الدولة الصهيونية، على أساس إيجاد حل للمسألة الفلسطينية. لكن، لن يكون هذا الحلّ أبعد مما قرّرته الدولة الصهيونية منذ أمد بعيد، أي حكم ذاتي موسّع لسكان الضفة الغربية، وربما "استقلال" أكبر لقطاع غزة. لتكون، بالتالي، الدولة على حدود سنة 1967 هي دولة غزة.
فكت "حماس" الارتباط مع جماعة الإخوان المسلمين كما يظهر من نص البرنامج، ويبدو أن ذلك هو المقدمة لكي تحصل على "الجائزة"، أو أنها تتكيّف بما يسمح لها أن تحصل على "الجائزة". والأهم هنا هو عدم ذكر ارتباطها بالجماعة، بل اعتبرت أن "مرجعيتها" هي الإسلام "في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها".