ابتسامة هادئة أسفل شارب مميز وملامح وجه بريئة وتعبيرات كروية خالدة وقدرٌ كبير من الاحترام.. هكذا عرف حمادة إمام أحد أئمة الموهوبين في قلعة الزمالك، والذي رحل عن عالمنا في هدوء يتوافق مع طبيعة شخصيته الرزينة.
لم تكن الأجيال الأخيرة محظوظة بمشاهدة إمام في المستطيل الأخضر، لكنهم لطالما سمعوا روايات الآباء والأجداد، وهم يغدقون في مدح مهاراته وكيفية تلاعبه بالمنافسين حتى لُقِب بـ"الثعلب" لمكره ودهائه في الملعب.
تلك الموهبة التي دفعت المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية المصري السابق، لإرسال طائرة حربية لنقل حمادة من غزة، حيث كان يقيم مع والده إلى القاهرة خصيصاً لخوض مباراة أمام الأهلي، وسجل فيها خمسة أهداف مع فريق تحت 20 عاماً كما تقول الرواية.
شعبية النادي قد تصنعها إنجازاته وبطولاته، وهناك لاعب قد يصنع شعبية نادٍ كما فعل إمام الذي كان والده "يحيى الحرية" حارساً لمرمى الزمالك في الثلاثينيات والأربعينيات ونسب لنجله فضل كبير في انتشار شعبية الزمالك حيث انضمت للنادي الأبيض أفواج من المشجعين إعجاباً بمهارات "الثعلب".
وتباهى المشجعون القدامى بأنهم عاصروا الفوز التاريخي للزمالك على وستهام يونايتد الإنجليزي في القاهرة 5-1 عام 1966، وكان حينها من عمالقة أوروبا وضم بين صفوفه نخبة من أبطال كأس العالم الوحيد في تاريخ إنجلترا، وكيف صنع حمادة إمام الحدث بتسجيل ثلاثة أهداف.
لكن في المقابل ظل إمام ذكرى جميلة راسخة في أذهان آخر أجيال المهووسين بالساحرة المستديرة، من خلال تعليقه المميز على المباريات وتقديمه لبرامج رياضية بقدر كبير من البساطة وخفة الظل.
كان حمادة من أوائل المعلقين العرب على المباريات الأوروبية وهو ما أكسبه شعبية زائدة بين هواة متابعة دوريات القارة العجوز.
عرّف حمادة الدوري الإنجليزي في تعليقاته بدوري "كامل العدد"، لاكتظاظ المدرجات بالمشجعين دائماً، والدوري الهولندي بدوري "الورود والظهور" لشهرته في إنتاج المواهب الصاعدة وتصديرها لباقي دول أوروبا، بينما وصف الدوري الفرنسي بدوري "الأناقة" والألماني دوري "الماكينات".
وعلى نفس الشاكلة وصف الدوري البرازيلي بدوري "الغمزة واللمزة"، وهو تعبير دارج يشير إلى المهارات الفردية الرائعة لنجومه والدوري الياباني "دوري الريموت كونترول" وظلت تلك التعبيرات متواصلة لأمد بعيد.
ولم يخف حمادة مشاعر الأبوة وفرحته بأهداف نجله حازم قائد الزمالك السابق وأحد أساطير مدرسة الفن والهندسة، حين كان يعلق على مبارياته وكان تعبيره الشهير "يا ولد يا حازم يا لعيب" وهو من ورث منه مهاراته ولقب "الثعلب" أيضاً، فضلاً عن تحليه بالأخلاق وبمحبة الجمهور.
ومن أطرف تعليقات إمام حين كان يلقي باللوم على لاعب لإهدار فرصة أنه كان يصيح "يا رجل"، في المقابل، إذا ما أبدع لاعب أو سجل هدفاً كان يصيح "يا ولد".
فرض إمام على الجميع احترام موهبته، كما احترموا شخصه ولطالما نأى بنفسه عما يلوث الوسط الرياضي من صراعات وإهانات، لذا كان من القلائل الذين أجمع على حبهم مشجعو الغريم اللدود الأهلي.
وسارع الأهلي في نعي إمام بالتزامن مع تعزية الزمالك لرمزه التاريخي، كما حرص طارق سليم مدير الكرة السابق بالنادي الأحمر على التوجه لمنزل إمام لتقديم العزاء، رغم ظروف مرضه الشديد حيث حضر على مقعد متحرك.
كانت الذكرى الأخيرة العالقة في أذهان مشجعي الزمالك بخصوص إمام لحظة بكائه بعد التتويج بالدوري في الموسم الماضي، على إثر غياب 11 عاماً، لكنهم يعزون أنفسهم بوجود حازم؛ الوريث الأخير في عائلة إمام، بين أعضاء الطاقم التدريبي الحالي، آملين أن يقود الأبيض الملكي للقب جديد ويهديه لروح "الثعلب".
اقرأ أيضاً: رحيل نجم الكرة المصرية السابق حمادة إمام