حليب إليف

14 يناير 2016
أنت كثيرٌ بالأصوات المتناقضة داخلك (سارة العسكر)
+ الخط -
أنت كثيرٌ بالأصوات المتناقضة داخلك. كثيرٌ بالتعدد. كثير بالفوضى التي تشكّل ماهيتك. الكون ينطوي فيك. هذا ما أرادت أن تقوله إليف شفق - الكاتبة التركية - التي أنقذتها الكتب حين كانت طفلة منطوية تعيش مع أمها وحدهما، لم تعش مع أسرتها الممتدة.
لفرط وحدتها، كانت تتحدث مع أقلام التلوين، وتعتذر من الأشياء حولها عندما تصطدم بها.


إليف دفعتها وحدتها إلى فهم العالم عبر القص والحكاية، تقول: وهبتني القصص حساً باتصال الأشياء بعضها ببعض، بالمركزية، بالفهم. تنفست الحروف، وشربت الكلمات وتقمّصت القصص، واثقة من قدرتي على أن أميل باللغة وأبرمها بشغف في رقصة تانغو.

في كتابها الأخير "حليب أسود"، تكشف شفق عن فوضى الأصوات داخلها، النساء الصغيرات - عقلات الأصابع - كما تصفهن، اللواتي يشكلنها. تقول إليف: في كل منعطف في حياتي، كنت أرفع صوتاً واحداً أعلى على حساب الأصوات الأخرى. هذا ما يهم.

حتى الثلاثين من عمرها، لم تتعرّف إلا على أربع منهن. التشيخوفية الطموحة، المثقفة الساخرة، العملية القصيرة، والدرويشية الهادئة. الأربع اللواتي واصلن عملهن الدؤوب حتى تصير كاتبة عالمية. بعد الحب - اللقاء بزوجها أيوب - تجلت لها بلو بيلي بوفاري (صوت الأنوثة)، وماما الرز بالحليب. عرفت من خلالهما أن الأمومة أعظم هدايا الحياة، باعتبارها قالب يعيد تشكيل طينة القلب، ويجعل الإنسان متناغماً مع إيقاع الكون.

كانت تتساءل كثيراً عن إمكانية التوفيق بين الأمومة ومهنة الكتابة معاً وبموازين عادلة. "هل على الكاتبة أن تتنكر للرحم مقابل العقل والمنطق؟".

بحثت شفق في حياة الكاتبات العالميات، الأمهات منهن: كسيلڤيا بلاث، نادين غورديمير، ج.ك. رولينغ، توني موريسون، ومدى تناغم الأمومة والكتابة معاً.

مضت سنوات طويلة وهي تخمد الصوت الأمومي الحنون، بفعل شقاوة الحريم الأربع. حتى أتاها السؤال الأعظم: "كم سنة أخرى أستطيع تأجيل قرار الإنجاب؟ الساعة على الجدار، الساعة في رأسي، الساعة في قلبي، الساعة في رحمي، كلها تدق في وقت واحد، وبغتة يجتاحني إحساس غريب، وكأن كل تلك الساعات قد أعدّت لتقف كلها في لحظة ما: الآن!".

حليب أسود، تتكشف فيه إليف بشفافية مياه البوسفور، وتناقض اسطنبول، بين أسود الحبر، وبياض الحليب.
كتاب يجب أن تقرأه كل امرأة لم تفهم بعد روحها المتشظية بين أصوات كثيرة.

(الكويت)
دلالات
المساهمون